شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٤٢
أعم من المطابق وغيره وحينئذ يلزم تغاير الذات والصفة لجواز أن يعقل عدم كل بدون الآخر فما ذكر في المواقف من أنه يرد الباري مع العالم لامتناع انفكاك العالم عن الباري تعالى لا يقال يجوز انفكاك الباري عن العالم في الوجود والعالم عن الباري تعالى في الحيز لأنا نقول لو كفى الانفكاك من طرف لجاز انفكاك الموصوف عن الصفة والجزء عن الكل في الوجود فقيل المراد جواز الانفكاك تعقلا ومنهم من صرح به ولا يمتنع تعقل العالم بدون الباري تعالى ليس على ما ينبغي ثم ههنا بحث آخر وهو أن جواز انفكاك الموصوف عن الصفة في الوجود إنما يصح في الأوصاف المفارقة كالبياض مثلا وفي كلامهم ما يشعر بأن النزاع إنما هو في الصفة اللازمة قال والجمهور على أن الغيرية نقيض الهوية هو بمعنى أن الشيء بالنسبة إلى الشيء إن صدق أنه هو هو فعينه وإن لم يصدق فغيره إن كان بحسب المفهوم كما في نسبة الإنسان إلى البشر والناطق فبحسب المفهوم وإن كان بحسب الذات والهوية كما في نسبة الإنسان إلى الكاتب والحجر فبحسب الذات والهوية وما ذهبوا إليه من الجزء بالنسبة إلى الكل والصفة بالنسبة إلى الموصوف ليس عينه ولا غيره ليس بمعقول لكونه ارتفاعا للنقيضين نعم في الغيرية إضافة بها يصير أخص من النقيض بحسب المفهوم لأن الغيرين هما الاثنان من حيث أن أحدهما ليس هو الآخر إلا أنها حيثية لازمة في نفس الأمر ربما يشعر بها مفهوم النقيض أيضا فلذا أطلقوا القول بأن الغيرية نقيض هو هو وبأن الغيرين هما الاثنان أو الشيئان واعتذر الإمام الرازي عما ذكره المتكلمون من أن الشيء بالنسبة إلى الشيء قد يكون لا عينه ولا غيره بأنه اصطلاح على تخصيص لفظ الغيرين بما يجوز انفكاكهما كما خص العرف لفظ الدابة بذوات الأربع وصاحب المواقف بأن معناه أنه لا هو بحسب المفهوم ولا غيره بحسب الهوية كما هو الواجب في الحمل إذ لو كان المحمول غير الموضوع بحسب الهوية لم يصح الحمل ولو كان عينه بحسب المفهوم لم يفد بل لم يصح أيضا لامتناع النسبة بدون الإثنينية فمن قال بالوجود الذهني صرح بأنهما متحدان في الخارج متغايران في الذهن ومن لم يقل به لم يصرح بل قال لا عين ولا غير لأن المعلوم قطعا هو أنه لا بد بينهما من اتحاد من وجه واختلاف من وجه وأما أن ذلك في الخارج وهذا في الذهن فلا وكلا الاعتذارين فاسد أما الأول فلأن منهم من حاول إثبات ذلك بالدليل فقال لو كان الجزء غير الكل لكان غير نفسه لأن العشرة مثلا اسم لجميع الأفراد متناول كل فرد مع أغياره فلو كان الواحد غير العشرة لصار غير نفسه لأنه من العشرة وأن يكون العشرة بدونه وكذا اليد من زيد وبطلان هذا الكلام ظاهر لأن مغايرة الشيء للشيء لا يقتضي مغايرته لكل من أجزائه حتى يلزم مغايرته لنفسه وزعم هذا القائل أن هذا الدليل قطعي وأن القول بكون الواحد غير العشرة فاسد لم يقل به
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»