في شيء يمتنع أن يكون حال بقائه وإلا يلزم إيجاد الموجود فتعين أن يكون حال حدوثه أو عدمه فيكون حادثا لا قديما وجوابه ما سبق أن الممتنع إيجاد الموجود بوجود حاصل بغير هذا الإيجاد وهو غير لازم وأن معنى تأثيرالمؤثر في الشيء وإيجاده إياه حال بقائه هو أن وجوده يفتقر إلى وجود المؤثر ويدوم بدوامه من غير أن يكون هناك تحصيل مالم يكن حاصلا ليلزم حدوثه (قال فالقديم يمتنع عدمه) لما امتنع استناد القديم إلى الفاعل بالاختيار فما ثبت قدمه يمتنع عدمه لأنه إما واجب لذاته وامتناع عدمه ظاهر وإما ممكن مستند إلى الواجب بطريق الإيجاب إما بلا واسطة كمعلوله الأول أو بوسائط قديمة كالثاني والثالث لما سيأتي من امتناع التسلسل وأيا ما كان يمتنع عدمه لأنه لما كان من مقتضيات ذات الواجب ولوازمه بوسط أو بغير وسط لزم من إمكان عدمه إمكان عدم الواجب وهو محال فإن قيل لم لا يجوز أن يتوقف صدوره عن الموجب على شرط حادث قلنا لأنه حينئذ يكون حادثا والكلام في القديم فإن قيل فالقديم إذا امتنع عدمه كان واجبا لا ممكنا قلنا امتناع عدم الشيء لا ينافي إمكانه الذاتي لجواز أن لا يكون ذلك لذاته بل لتمام علته الموجبة فعندنا لما كان الواجب فاعلا بالاختيار لا موجبا بالذات لم يكن شيء من معلولاته قديما ممتنع العدم وإنما ذلك على رأي الفلاسفة فإن قيل صفات الواجب عندكم موجودات قديمة فيمتنع استناده إليه بطريق الاختيار ويتعين الإيجاب قلنا علة الاحتياج إلى المؤثر عندنا الحدوث لا الإمكان وصفات الواجب وإن كانت مفتقرة إلى ذاته لا تكون آثارا له وإنما يمتنع عدمها لكونها من لوازم الذات ولو سلم فالتأثير والتأثر إنما يكونان بين المتغايرين ولا تغاير ههنا وسيجئ لهذا زيادة بيان قال زعمت الفلاسفة أن كل حادث أي موجود بعدم العدم مسبوق بمادة ومدة وعنوا بالمادة ما يكون موضوعا للحادث إن كان عرضا أو هيولاه إن كان صورة أو متعلقة إن كان نفسا وبالمدة الزمان وبنوا على ذلك قدم المادة والزمان لا بمعنى أن محل هذا السواد وبدن هذه النفس مثلا قديم لظهور استحالته ولا بمعنى أن قبل كل مادة مادة لا إلى بداية كما في الحركة والزمان لأنه يستلزم اجتماع المواد الغير المتناهية في الوجود ضرورة أن كلا منها جزء مما يتركب عنها وهو محال لما سيأتي بخلاف الحركة والزمان فإنهما على التجدد والانقضاء بل بمعنى أنه لا بد أن يكون للمركب مادة بسيطة قديمة هي الحاصل للصور والأعراض الحادثة إذ لو كانت حادثة لكانت لها مادة أخرى وتسلسل واحتجوا على ثبوت المادة بأن الحادث قبل وجوده ممكن لامتناع الانقلاب وكل ممكن فله إمكان وهو وجودي لما سبق من الأدلة وليس بجوهر لكونه إضافيا بحقيقته فيكون عرضا فيستدعي محلا موجودا ليس هو نفس ذلك الحادث لامتناع تقدم الشيء على نفسه ولا أمرا منفصلا عنه لأنه لا معنى لقيام إمكان الشيء بالأمر المنفصل عنه بل متعلقا به وهو المعنى بالمادة وما توهم من أن إمكان الشيء هو اقتدار الفاعل
(١٣١)