شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٣٦
مشترك بين الكل لا على السواء لكونه في التقدم بالعلية أقدم وفي التقدم بالطبع أولى حيث يكون بالنظر إلى الذات وفي التقدم بالرتبة الحسية أشد منه في العقلية وكائن هذا مبني على أن الكل عائد إلى التقدم بالعلية وبالطبع وبالزمان أو إلى الأولين فقط واللفظ موضوع بإزاء معنى مشترك هو كون الشيء محتاجا إليه وإلا فليس للفظ مفهوم مشترك بين الكل لا يقال الكل مشترك في معنى واحد وهو أن للمتقدم أمرا زائدا لا يوجد للمتأخر كالتأثير في الذي بالعلية وكونه مقوما أو شرطا في الذي بالطبع وكونه مضى له زمان أكثر في الذي بالزمان وزيادة الكمال في الذي بالشرف وقرب الوصول إليه من مبدأ معين في الذي بالرتبة لأنا نقول ليس هذا مفهوم لفظ التقدم ولا لصدق على كل شيء ينسب إلى آخر ضرورة أنه يشتمل على أمر لا يوجد في الآخر وإن أريد اشتماله على أمر زائد هو أحد الأمور المذكورة فمثله يتأتى في كل مشترك لفظي بأن يقال لفظ العين مثلا موضوع بإزاء معنى مشترك بين الكل هو مفهوم أحد المعاني قال المنهج الرابع في الوحدة والكثرة والحق أنهما من الاعتبارات العقلية التي لا وجود لها في الأعيان بمثل ما سبق في الوجوب والإمكان وأن تصورهما بديهي لحصوله لمن لم يمارس طرق الاكتساب فلا يعرفان إلا لفظا كما يقال الوحدة عدم الانقسام والكثرة هي الانقسام وقد يقال الوحدة عدم الانقسام إلى أمور متشابهة والكثرة هو الانقسام إليها ولا خفاء في انتفاضهما طردا وعكسا بالمجتمع من الأمور المتخالفة وأما ما يقال أن الوحدة عدم الكثرة والكثرة هي المجتمع من الوحدات فمبناه على أن الوحدة أعرف عند العقل والكثرة عند الخيال لما أن الوحدة مبدأ الكثرة والعقل إنما يعرف المبدأ قبل ذي المبدأ والكثرة ترتسم صورها في الخيال فينتزع العقل منها أمرا واحدا فيكون تفسير الوحدة بالكثرة عند الخيال وتفسير الكثرة بالوحدة عند العقل تفسيرا بالأعرف لا بالمساوي في المعرفة والجهالة (قال والقطع) لما كانت الوحدة مساوقة للوجود بمعنى أن كل ما له وحدة فله وجود ما وكل ما له وجود فله وحدة بوجه ما توهم بعضهم أن الوحدة هي الوجود وهو باطل لأن الكثير من حيث هو كثير موجود وليس بواحد فحاول التنبيه على أن كلا من الوحدة والكثرة مغاير لكل من الوجود والماهية وذلك بوجهين أحدهما لنا أن نتعقل ماهية الشيء ووجوده من غير أن نتعقل وحدته أو كثرته بل مع التردد فيه كما نقطع بوجود الصانع ثم نثبت بالبرهان وحدته ونقطع بوجود الفلك وماهيته ثم نثبت كثرته وثانيهما أنا إذا جمعنا مياه أوان كثيرة في إناء واحد حتى صار ماء واحدا أو فرقنا ماء إناء واحد في أوان كثيرة حتى صارت مياها كثيرة فقد زالت الوحدة والكثرة مع أن الوجود والماهية بحالهما من غير زوال وتبدل قطعا فلو كانت الوحدة أو الكثرة نفس الوجود أو الماهية لما كان كذلك (قال وقد يستدل) نقل خلاف بين الفلاسفة والمتكلمين في أن الوحدة والكثرة وجوديتان أو عدميتان وتمسكات من الطرفين يشعر بعضها
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»