قابل بين هذا وبين صنيعهم حين يوردون أحاديث مناقب علي أو العترة أو شيعتهم تجدهم يتعمقون ويتعنتون في نقد رجال الأسانيد ويتطلبون جرحهم بكل حيلة أو وسيلة ولو بذكر جرح مبهم غير مفسر مع قوله برده أو بقبول الجرح من المخالف في العقيدة مع قولهم ببطلانه فإن عجزوا عن ذلك قالوا في الإسناد رجل شيعي فلا يلتفت إليه.
ولقد علموا أن مناظر الإنسان نظيره، فلو قال لهم شيعي فيما يحتجون به من مناقب الأئمة في السند رجل سني فلا يلتفت إليه فضلا عما فيه من هو منحرف أتراهم ينصفونه فيقبلون حجته فلا تبقى لهم عليه حجة؟
أم يعدلون إلى نحو قول القائل يجوز لنا معشر القضاة ما لا يجوز لغيرنا...
والإنصاف يقضي بأن في الرواية الراوي مناقب أهل البيت أو شيعتهم دلالة ظاهرة على إيمانه وقوة يقينه ورغبته فيما عند ربه وزهده في المال والجاه، والتهم بعيدة جدا عنه وفي هذا جبر لما قد يكون في بعضهم من ضعف أو لين إن صح وإذا لم تشتهر بعض تلك المناقب فأسباب عدم شهرتها ظاهرة جلية وليس هناك غرابة لو لم يصل إلينا شئ منها ولكن الأمر بالعكس في مناقب بعض الناس فيحملنا النظر على أن نرجح أنه لو كان لبعضها أصل لتواترت واشتهرت وتسابق أهل الحديث لروايتها وللتعزز بها والتودد إلى من تسرهم واستفادوا بها ما شاءوا وشتان بين ما هذا شأنه وما يصلب أو يعرقب رواية كما تقدم ذكر نموذج من ذلك فراجعه.
هذا بعض ما يتعلق بالأسانيد وتجدهم إذا ضاقت عليهم السبل في التكذيب والتضعيف اجتهدوا في مسخ المعاني بالتأويلات البعيدة والتحريفات السخيفة وإلقاء الشبه فيقولون في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) " أنا مدينة العلم وعلى بابها " يعني مرتفعا بابها (19).
ويقولون: لا فضيلة خاصة يشهد بها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ويزعمون أنه لا حجة نيرة في قوله " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " وقد تقدم ردنا على مسخهم حديث " ولا يبغضك إلا منافق " إلى ما يضيق صدر هذا المختصر بإيراد بعضه.