والفضل والنزاهة وحسن السيرة، وما يشيدون به من المدائح فيهم ويصنفونه من الكتب العريضة في مناقبهم استدرارا لأكفهم وطلبا للمنزلة عندهم ومن هو الذي ينكر أن الانتماء والأخذ عن المقربين من أهل الدولة وأتباعهم جاه ووجاهة ودرع حصينة وأن الإشادة بمدحهم وإذاعة ما يحبونه من حمد قوم وذم وآخرين تجارة رائجة رابحة.
وإذا تأمل المنصف ما أشرنا إليه يظهر له وجاهة ما ظنناه من وجود العذر للبعض خصوصا والفرق كبير بين تلك الأعصر وعصرنا وبين هؤلاء وأولئك وبين الاستبدادين.
والذي يعجز الفطن المنصف عن إدراكه هو وجود عذر يصح اعتباره لمن لم يكن من أهل تلك العصور المظلمة بالظلم يسوغ لهم ما استمروا عليه من العكوف على الباطل إذ لم تبق ضرورة ولا حاجة فلا سيوف شاهرة ولا بدر حاضرة.
وأما ما يتوقع حصوله من هرير جهلة المقلدين والمتعصبين للأشباح وما ينبزون به من يصرح بالحق من الرفض والابتداع ومثله الوحشة من الانفراد عن الجماهير والرغبة في اقتفاء آثار أهل الطيالسة والمشيخة فجميع هذا وما في معناه مما لا يقيم له المنصف وزنا فضلا عن جعله عذرا.
وقد تقدم أثناء هذا الكتاب ذكر شئ من جور فراعنة المتقدمين من الحكام ومن تجهم بعض أذنابهم من العلماء ومجموع ذلك قطرة من بحور ظلمهم واستبدادهم وإجحافهم على أهل البيت وشيعتهم.
ويدخل في ذلك ما أورده في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن مسلمة الأنصاري الصحابي قال: قال ابن شاهين عن أبي داود: قتله أهل الشام ولم يعين السنة لكونه اعتزل معاوية في حروبه. انتهى.
قلت: إن قعوده عن الحق بعدم جهاده لهم مع علي لم يرضهم فقتلوه لعدم قيامه مع الباطل جعل الله ذلك كفارة له.
وذكر أبو الفرج الأصفهاني عن عمرو بن شيبة أن خندقا الأسدي قام بالموسم فقال: أيها الناس إنكم على غير حق قد تركتم أهل بيت نبيكم والحق لهم وهم الأئمة ولم يقل إنه سب أحدا فوثب عليه الناس فضربوه ورموه حتى قتلوه. انتهى.
وقال ابن الشحنة في روضة المناظر إنه في سنة 244 ه سأل المتوكل الخليفة العباسي