عن الكافة متصلا عمن حدث بها من جملة الصحابة، وإخبارهم أن ذلك كان في مواطن اجتماع الكثير منهم، في يوم الخندق، وفي غزوة بواط، وعمرة الحديبية، وغزوة تبوك، وأمثالها من محافل المسلمين ومجمع العساكر، ولم يؤثر عن أحد من الصحابة ة مخالفة للراوي فيما حكاه، ولا إنكار لم ذكر عنهم أنهم رووه، فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق، إذ هم المنزهون عن السكوت على باطل والمداهنة في كذب، وليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم، ولو كان ما سمعوه منكرا عندهم غير معروف لديه لأنكروا كما أنكر بعضهم على بعض أشياء رووها من السنن والسير وحروف القرآن، وخطا بعضهم بعضا ووهمه في ذلك، مما هو معلوم، فهذا النوع كله مما يلحق بالقطعي من معجزاته، لما بيناه.
وأيضا، فإنه أمثال الأخبار التي لا أصل لها وبنيت على باطل لا بد مع مرور الأزمان وتداول الناس وأهل البحث من انكشاف ضعفها وخمول ذكرها كما يشاهد في كثير من الأخبار الكاذبة والأراجيف الطارية، وأعلام نبينا هذه الواردة من الطريق الآحاد لا تزداد مع مرور الزمان إلا ظهورا، ومع تداول الفرق وكثرة طعن العدو وحرصه على توهينها وتضعيف أصلها واجتهاد الملحد على إطفاء نورها إلا قوة وقبولا، وللطاعن عليها إلا حسرة وغليلا.
وكذلك إخباره عن الغيوب وإنباؤه بما يكون وكان معلوم من آياته على الجملة بالضرورة، وهذا حق لا غطاء عليه وقد قال به من أئمتنا القاضي والأستاذ أبو بكر وغيرهما رحمهم الله، وما عندي أوجب قول القائل أن هذه القصص المشهورة من باب خبر الواحد إلا قلة مطالعته للأخبار وروايتها، وشغله بغير ذلك من المعارف، وإلا فمن اعتنى بطرق النقل وطالع الحديث والسير لم يرتب في صحة هذه القصص المشهورة على الوجه الذي ذكرناه " (1).