من فيض سيرته وأحواله، ومن تأمل كلامه في تصانيفه وتصرفه في أماليه ونظره في طرق الحديث، أذعن بفضله واعترف له بالمزية على من تقدمه، وإتعابه من بعده، وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شانه، عاش حميدا ولم يخلف في وقته مثله " (1).
وقال السبكي (الطبقات): "... كان إماما جليلا وحافظا حفيلا، اتفق على إمامته وجلالته وعظمة قدره... قال أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي الحافظ: إن الحافظ أبا عبد الله قلد قضاء نسأ سنة تسع وخمسين في أيام السامانية ووزارة العتبي، فدخل الخليل بن أحمد السجزي القاضي على أبي جعفر العتبي فقال: هنأ الله الشيخ فقد جهز لي نسأ ثلاثمائة ألف حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتهلل وجهه، (قال): وقلد بعد ذلك قضاء جرجان، فامتنع.
قال: وسمعت مشيختنا يقولون: كان الشيخ أو بكر بن إسحاق وأبو الوليد النيسابوري يرجعان إلى أبي عبد الله الحاكم في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث وصحيحه وسقيمه، (قال): وأقمت عند الشيخ أبي عبد الله العصمي قريبا من ثلاث سنين - ولم تر في جملة مشايخنا أتقى منه ولا أكثر تنقيرا - فكان إذا أشكل عليه شئ أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله، وإذا ورد عليه جوابه حكم به وقطع بقوله.
وحكى القاضي أبو بكر الحيري: أن شيخا من الصالحين حكى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، قال: قلت يا رسول الله بلغني أنك قلت: ولدت في زمن الملك العادل، وإني سألت الحاكم أبا عبد الله عن هذا الحديث فقال: هذا كذب ولم يقله رسول الله، فقال: صدق أبو عبد الله.
قال أبو حازم... وتفرد الحاكم أبو عبد الله في عصرنا من غير أن يقابله