رجلا، كلهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب، فسموا من تظنونه يصلح لما يطلب أمير المؤمنين، فسمينا له عدة وذكر هو عدة، حتى تم العدد الذي أراد، وكتب تسمية القوم وأمر بالبكور في السحر، وبعث إلى من لم يحضر فأمره بذلك، فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فوجدناه قد لبس ثيابه وهو جالس ينتظرنا، فركب وركبنا معه حتى صرنا إلى الباب، فإذا بخادم واقف فلما نظر إلينا قال: يا أبا محمد، أمير المؤمنين ينتظرك. فأدخلنا، فأمرنا بالصلاة، فأخذنا فيها، فلم نستتمها حتى خرج الرسول فقال: ادخلوا، فدخلنا فإذا أمير المؤمنين جالس على فراشه وعليه سوادة وطيلسانه والطويلة وعمامته، فوقفنا وسلمنا فرد السلام، وأمر لنا بالجلوس، فلما استقر بنا المجلس تحدر عن فراشه ونزع عمامته وطيلسانه ووضع قلنسوته، ثم أقبل علينا فقال: إنما فعلت ما رأيتم لتفعلوا مثل ذلك، وأما الخلف فمنع من خلفه علة، من قد عرفها منكم فقد عرفها، ومن لم يعرفها فسأعرفه، ومد رجله. وقال: انزعوا قلانسكم وخفافكم وطيالستكم، قال: فأمسكنا فقال لنا يحيى: إنتهوا إلى ما أمركم به أمير المؤمنين، فتنحينا، فنزعنا أخفافنا وطيالستنا وقلانستنا ورجعنا، فلما استقر بنا المجلس قال: إنما بعثت إليكم - معشر اليوم - في المناظرة، فمن كان به شئ من الخبثين لم ينتفع بنفسه ولم يفقه ما يقول، فمن أراد منكم الخلاء فهناك، وأشار بيده، فدعونا له.
ثم ألقى مسألة من الفقه فقال: يا أبا محمد قل وليقل القوم من بعدك، فأجابه يحيى، ثم الذي يلي يحيى، ثم الذي يليه، حتى أجاب آخرنا في العلة وعلة العلة وهو مطرق لا يتكلم، حتى إذا انقطع الكلام التفت إلى يحيى فقال:
يا أبا محمد، أصبت الجواب وتركت الصواب في العلة، ثم لم يزل يرد على كل واحد منا مقالته، ويخطئ بعضنا ويصوب بعضنا، حتى أتى على آخرنا.
ثم قال: إني لم أبعث فيكم لهذا، ولكني أحببت أن أبسطكم، إن أمير