مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ٢٦٠
عبادته (عليه السلام) كان (عليه السلام) أعبد أهل زمانه، وقد دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية، فقال له: صف لي عليا، فقال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال:
لا أعفيك، قال:
أما إذا لابد، فإنه كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.
فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن، وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا: إلي تغررت، إلي تشوقت؟! هيهات! هيهات! غري غيري، قد بنتك ثلاثا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه! من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اعتنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله (1).

(١) حلية الأولياء ج ١ ص ٨٤، ذخائر العقبى ص ١٠٠، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٨ ص ٢٢٥، نظم درر السمطين ص ١٣٥، الإستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٤٦٣ - تاريخ مدينة دمشق ج ٢٤ ص ٤٠١، ينابيع المودة ج ٢ ص ١٨٩ ومصادر أخرى للعامة.
خصائص الأئمة ص ٧١ - مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) ج ٢ ص ٥٢، شرح الأخبار ج ٢ ص ٣٩١، كنز الفوائد ص ٢٧٠، كشف الغمة ج ١ ص ٧٧، العمدة ص ١٦ وبتفاوت يسير ومصادر أخرى للخاصة.
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»