حتى انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أشهد يا رسول الله لقد اشتريته، فقال الأعرابي: أتشهد ولم تحضرنا؟ [سؤال وجيه، لأن الشهادة تجب أن تكون عن علم] وقال النبي: " أشهدتنا؟ " قال: لا يا رسول الله، عندما تبايعتم واشتريت الفرس من الأعرابي لم أكن حاضرا، ولكني علمت أنك قد اشتريت، وإذن أشهد عن علم، والشهادة يجب أن تكون عن علم، قال خزيمة: أفنصدقك بما جئت به من عند الله، ولا أصدقك على هذا الأعرابي الخبيث؟، قال: فعجب رسول الله وقال: " يا خزيمة شهادتك شهادة رجلين " (1).
من هذه القضية نفهم أن الصحابة عرفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه لا يكذب، ولا يدعي مال الغير بلا دليل، هذا صحيح، ولا خلاف في هذا، لكن المدعى أن النبي معصوم عن الخطأ والنسيان، وعن السهو، وعلى ذلك شهد خزيمة بالأمر، أما كان خزيمة يحتمل أن رسول الله مشتبه؟ ألم يكن هذا الاحتمال ولو واحد بالمائة احتمالا واردا ليمنع خزيمة من القيام بهذه الشهادة؟ لا ريب أنه كان عالما بأن رسول الله لا يكذب، لا يدعي مال الناس، هذا واضح، لكن أليس كان من المناسب أن يتأمل ويسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله لعلك سهوت! لعلك مشتبه! لعلك نسيت! لعل هذا الأعرابي ليس ذلك الأعرابي الذي تعاملت معه، أو لعل هذا الفرس غير الفرس الذي اشتريته من الأعرابي. لكن كل هذه الاحتمالات منتفية عند خزيمة، ويأتي، ويفرج الناس، ويشهد بأن الحق مع رسول الله، بلا تريث ولا تأمل أبدا، وهكذا عرفوا رسول الله، ولا بد أن يكون كذلك.
قال السبكي: لأنا أمرنا بالاقتداء بهم فيما يصدر عنهم مطلقا، فكيف يقع منهم ما لا ينبغي، ومن جوزه لم يجوز بنص ولا دليل.
أضف إلى ذلك، هل الخطأ والنسيان والسهو فوق النوم؟ والحال أن نوم النبي ويقظته واحد، نوم الإمام ويقظته واحد.
اتفق الفريقان على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تنام عينه ولا ينام قلبه، هذا الحديث