مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥١ - الصفحة ٤٢٣
يا هشام! من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان (هواه) (1) على هدم عقله: من أظلم نور فكره (2) بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه (3).
يا هشام! كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت عقلك (4) عن أمر ربك، وأطعت هواك على غلبة عقلك (5)؟
يا هشام! الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب في ما عند

(١) ليس في الكافي.
(٢) في الكافي: تفكره.
(٣) " بطول أمله " فإن طول العمل في الدنيا يمنع التفكر في الأمور الإلهية النورية، لأنه يحمل النفس على التفكر في الأمور العاجلة وتحصيل أسبابها الظلمانية، فمن بدل تفكره في الأنوار الأخروية والباقيات الصالحات بتفكره في الظلمات الدنيوية الناشئة عن طول أمله وحبه للفانيات فقد أظلم نور تفكره بطول أمله.
" بفضول كلامه " لأن للكلام حلاوة ولذة وسكرا، يشغل النفس عن جهة الباطن ويجعل همها مصروفا إلى تحسين العبارات وتحريك القلوب بالنكات والإشارات، فيمحو به طرائف الحكمة عن قلبه.
" بشهوات نفسه " لأن حب الشئ يعمي ويصم عن إدراك غيره، فحب الشهوات يعمي القلب ويذهب بنور عبرته.
والخلاصة: إن في الإنسان قوتين متباينتين، وهما: العقل والهوى، ولكل واحدة منهما صفات ثلاث تضاد الصفات الأخرى، فصفات العقل: التفكر والحكمة والاعتبار، وصفات الهوى: طول الأمل وفضول الكلام والانغماس في الشهوات، فمن سلط هذه الخصال الشريرة على نفسه فقد أعان على هدم عقله، ومن هدم عقله فقد أفسد دينه ودنياه.
(4) في الكافي: قلبك.
(5) " كيف يزكو " يطهر ويخلص وينمو.
" وأنت قد شغلت " بالأمور الثلاثة المتقدمة - صفات الهوى -.
(٤٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة