مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥١ - الصفحة ٤٢٨
يا هشام! كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما من شئ عبد الله به أفضل من العقل (1) (2).
وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتى: الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدنيا القوت، ولا يشبع من العلم دهره.
الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلهم خيرا منه، وأنه شرهم في نفسه، وهو تمام الأمر (3).

(١) في رواية الكافي: " ما عبد الله بشئ أفضل من العقل " أي أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله هو تكميل العقل باكتساب العلوم الحقيقية الأخروية والمعارف اليقينية الباقية المأخوذة من الله سبحانه دون غيره من الطاعات والعبادات البدنية والمالية والنفسية كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي! إذا تقرب الناس إلى خالقهم بأنواع البر فتقرب أنت إليه بالعقل حتى تسبقهم.
(2) أخرج هذه القطعة في عوالم العلوم 2 / 31 ح 10 عن التحف.
(3) " وما تم عقل امرئ " يحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين وأن يكون من كلام أبي الحسن الكاظم (عليهما السلام) وعلى التقديرين فالمنبع واحد، ذرية بعضها من بعض.
" الكفر والشر منه مأمونان " الكفر في الاعتقاد، والشر في القول والفعل، والكل ينشأ من الجهل المنافي للعقل.
" والرشد والخير منه مأمولان " كذلك لكونه مهتديا صالحا وهاديا للخلق مصلحا لهم، والكل ناشئ من العقل.
" وفضل ماله مبذول " لاستغنائه بالحق عن كل شئ.
" وفضل قوله مكفوف " لمنافاته طرائف الحكمة.
" نصيبه من الدنيا القوت " لأن الدنيا فانية داثرة مستعارة لا تأتي بخير.
" لا يشبع من العلم دهره " إذ لا نهاية له، وفيه إشارة إلى أن العلم غذاء الروح، به يتقوى ويكمل، وبه حياته.
" الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره " لعلمه بأن العزة لله جميعا بالذات ولما سواه بالعرض، فالعزيز من أعزه الله، فمن كان مع الله بالفناء عن نفسه كان عزيزا بعزة الله فضلا عن كونه عزيزا بإعزازه، ومن كان مع غيره كان ذليلا مثله.
" والتواضع أحب إليه من الشرف " لأنه أنسب إلى العبودية وأدخل في تصحيح تلك السنة والتحقق بها.
" يستكثر قليل المعروف من غيره " تخلقا بأخلاق الله في تضعيفه لحسنات العباد.
" ويستقل كثير المعروف من نفسه " لكرامة نفسه واتصاله بمنبع الجود والخير.
" ويرى الناس كلهم خيرا منه " لحسن ظنه بعباد الله وحمله ما صدر منهم على المحمل الصحيح لسلامة صدره، ولما رأى من محاسن ظواهرهم، دون ما خفي من بواطنهم، فيراهم أحوالا منه.
" وأنه شرهم في نفسه " لاطلاعه على دقائق عيوب نفسه.
" وهو تمام الأمر " أي رؤية الناس خيرا ونفسه شرا تمام الأمر لأنها موجبة للاستكانة والتضرع التام إلى الله تعالى والخروج إليه بالفناء عن هذا الوجود المجازي الذي كله ذنب وشر كما قيل: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب.
(٤٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة