مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥١ - الصفحة ٤٢٠
الكيس لدى الحق يسير] (1).
يا بني! إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيه عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل، وقيمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر " (2).

(١) من الكافي.
(٢) " تواضع للحق " التواضع للحق هو أن لا يرى الإنسان لنفسه وجودا إلا بالحق ولا قوة له ولا لغيره إلا بالله، والتواضع من أفضل الأعمال، وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من تكبر وضعه الله، ومن تواضع لله رفعه الله. وإن الإنسان كلما تجرد عن الأنانية ومحا عن نفسه التكبر زاده الله شرفا وفضلا.
" أعقل الناس " هم الأنبياء والأولياء، ثم الأمثل فالأمثل.
" وإن الكيس لدى الحق يسير " إن كياسة الإنسان - وهي عقله وفطانته - يسير عند الحق لا قدر له، وإنما الذي له قدر عند الله هو التواضع والمسكنة والخضوع والافتقار إليه، فكل علم وكمال لا يؤدي بصاحبه إلى مزيد فقر وحاجة إليه تعالى يصير وبالا عليه وكان الجهل والنقيصة أولى به، ولذلك قيل: غاية مجهود العابدين تصحيح جهة الإمكان والفقر إليه تعالى.
" إن الدنيا بحر عميق " شبه لقمان الدنيا بالبحر، ووجه الشبه تغير الدنيا وتغير أشكالها وصورها في كل لحظة، فالكائنات التي فيها كالأمواج التي تكون في البحر معرضا للزوال والفناء، ويحتمل أن يكون وجه الشبه أن الدنيا كالبحر الذي يعبر عليه الناس، فكذلك الدنيا يعبر عليها الناس إلى دار الآخرة وتكون النفوس فيها كالمسافرين.
" قد غرق فيه عالم كبير " من الناس في هذه الدنيا، وإنما غرقوا لتهالكهم على الشهوات. وفي رواية الكافي: " فيها " بدل " فيه ".
" فلتكن سفينتك فيها تقوى الله " وإذا كانت الدنيا بحرا توجب الغرق والهلاك، فلا نجاة ولا سلامة إلا بسفينة التقوى والصلاح.
" وحشوها الإيمان " أي ما يخشى فيها وتملأ منها.
" وشراعها التوكل " على الله والاعتماد عليه في جميع الأمور لا على الأسباب.
" وقيمها العقل " قيم السفينة ربانها الذي نسبته إليها نسبة النفس إلى البدن.
" ودليلها العلم " والعقل دليله العلم فإن نسبته إليه كنسبة النور من السراج والرؤية من البصر.
" وسكانها الصبر " ومع هذه الخصال لا بد من الصبر فإن ارتقاء الإنسان وقربه من ربه لا يحصل إلا بمجاهدات قوية للنفس.
(٤٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة