مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥١ - الصفحة ٤٢٧
ورداها (1).
إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، وسره لعلانيته موافقا، لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه، وناطق عنه (2).

(١) " رداها " الردى: الهلاك والضلال.
(٢) " لم يخف الله من لم يعقل عن الله " أي من لم يأخذ علمه عن الله كالأنبياء والأوصياء وكل من اقتبس من أنوارهم، وذلك لأن غيرهم إما مقلد محض كالعامي، أو جدلي ظان كالكلامي، وكل منهما لم يعرف أن الذي يصل إليه يوم القيامة إنما هو من نتائج أخلاقه وتبعات أعماله التي لا تنفك عنها للعلاقة الذاتية بين الأشياء وأسبابها فلم يخش الله حق خشيته.
* (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * [سورة فاطر ٣٥: ٢٨] أهل اليقين والبرهان وأهل الكشف والعيان، فإنهم العارفون بأن الآخرة إنما تنشأ من الدنيا على الإيجاب واللزوم علما قطعيا من غير تخمين وجزاف، فهؤلاء هم الذين عقدت قلوبهم على معرفة ثابتة غير قابلة للزوال.
" ولا يكون أحد كذلك " أي عالما ربانيا عاقلا من الله.
" إلا من كان قوله لفعله مصدقا " أي لا يدل قوله على خلاف ما يدل عليه فعله.
" لأن الله تبارك اسمه لم يدل... " إنه (عليه السلام) ادعى أولا أن الخوف من الله تعالى خوفا واقعيا يصير سببا لترك الذنوب في جميع الأحوال، لا يكون إلا بأن يرزق العبد من الله تعالى عقلا موهبيا يبصر حقيقة الخير والشر كما هي.
ثم بين (عليه السلام) ذلك بأن من لم يكن بهذه الدرجة من العقل لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة للخير والشر يبصرها ويجد حقيقة تلك المعرفة في قلبه.
ثم بين أن تلك المعرفة الثابتة يلزمها أن يكون قول العبد موافقا لفعله، وفعله موافقا لسره وضميره، لأن الله تعالى جعل ما يظهر على الجوارح دليلا على ما في القلب، ويفضح المتصنع بما يظهر من سوء قوله وفعله، فثبت بتلك المقدمات ما ادعى (عليه السلام) من أن الخوف الواقعي لا يكون إلا بالعقل عن الله.
(٤٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة