مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٨ - الصفحة ٤١٠

شاعر، أو حرف يجري كالمثل، كقولهم:: جحر ضب خرب.
وقال القيسي (ت ٤٣٧ ه‍) في مشكل إعراب القرآن ١ / ٢٢٠ رقم ٦٧٠ عن الجر بالمجاورة: وهو بعيد، لا يحمل القرآن عليه.
كما أهمل هذا الجر الزمخشري (ت ٥٣٨ ه‍) في تفسيره، ولم يحتج به في سائر كتبه كما مر في صدر مناقشة المصنف (قدس سره) له.
ورده الرازي (ت ٦٠٦ ه‍) في تفسيره بثلاثة وجوه كما سيتضح من نقل كلامه في متن هذه الرسالة، تحت عنوان: (بطلان الجر بالمجاورة)، ص ٤١٦.
ونقل القرطبي المالكي (ت ٦٧١ ه‍) في الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٩٤ قول الأخفش وأبي عبيدة، ثم قول النحاس في ردهما، ولم يعقب عليه بشئ فكان مرضيه ومختاره.
وقال أبو حيان النحوي الأندلسي (ت ٧٥٤ ه‍) في البحر المحيط ٣ / ٤٣٧ عن الجر بالمجاورة: وهو ضعيف جدا، ولم يرد إلا في النعت حيث لا يلبس، على خلاف فيه قد قرر في علم العربية.
وقال السمين الحلبي (ت ٧٥٦ ه‍) في الدر المصون ٢ / ٤٩٥: وهذه المسألة - أي:
مسألة الجر بالمجاورة - لها شرط، وهو أن يؤمن اللبس كما تقدم تمثيله - يعني قولهم: جحر ضب خرب - بخلاف: (قام غلام زيد العاقل)، إذا جعلت (العاقل) نعتا للغلام امتنع جره على الجوار لأجل اللبس. ثم نقل بعد ذلك عددا كثيرا من الآيات القرآنية والشواهد الشعرية التي زعم جرها بالمجاورة وناقشها نقاشا علميا رائعا مطولا، وأثبت بطلان الاحتجاج بها على وقوع الجر بالمجاورة ونفاه عن ساحة القرآن الكريم نفيا باتا.
وقال النيسابوري (ت ٨٥٠ ه‍) في تفسيره ٦ / ٧٣ ولا يمكن أن يقال إنه كسر على الجوار كما في قولهم: جحر ضب خرب لأن ذلك لم يجئ في كلام الفصحاء، وفي السعة أيضا، وأيضا أنه جاء حيث لا لبس، ولا عطف، بخلاف الآية لما فيها على الجر بالمجاورة - من لبس، وعطف.
وقال سليمان بن عمر الشافعي الشهير بالجمل (ت ١٢٠٤ ه‍) في الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين: وهذا، وإن كان واردا، إلا أن التخريج عليه ضعيف لضعف الجوار من حيث الجملة، وأيضا فإن الخفض على الجوار إنما ورد في النعت لا في العطف، وقد ورد في التوكيد قليلا في ضرورة الشعر.
وقال القنوجي البخاري (ت ١٣٠٧ ه‍) في الروضة الندية ١ / ٤٠: وقد تعسف القائلون بالغسل فحملوا الجر على الجوار وأنه ليس للعطف على مدخول الباء في مسح الرأس، بل هو معطوف على الوجوه، فلما جاور المجرور انجر!!.
وقال النووي الشافعي (ت ١٣١٦ ه‍) في تفسيره المسمى بتفسير النووي والمعروف ب‍ (مراح لبيد) ١ / ١٩٣: ولا يجوز هنا الكسر على الجوار على أنه منصوب في المعنى عطفا على المغسول لأنه معدود في اللحن الذي عد يحمل لأجل الضرورة في الشعر، ويجب تنزيه كلام الله عنه ولأنه يرجع إليه عند حصول الأمن من الالتباس كما في قول الشاعر: كان ثيبرا في عرانين وبله) * كبير أناس في بجاد مزمل وفي هذه الآية لا يحصل الأمن من الالتباس، ولأنه إنما يكون بدون حرف العطف.
الثامن: في محاولة النقض على الشيعة الإمامية في شروط الجر بالجوار.
وقد تصدى لتلك المحاولة اليائسة والبائسة بعض من ذكر في الأمر السادس، وحجتهم في ذلك واحدة، منهم النووي الشافعي (ت ٦٧٦ ه‍) في المجموع شرح المهذب ١ / 420 حيث استدل بقول الشاعر:
لم يبق إلا أسير غير منفلت وموثق في عقال الأسر مكبول قال: فجر (موثقا) لمجاورته (منفلت)، وهو مرفوع معطوف على (أسير) ثم قال: وهذا رد للشيعة بأن الجر على الجوار لا يجوز مع الواو.
وأما عن شرط عدم اللبس فقال: بأنه هنا جائز ولا لبس فيه لأنه حدد بالكعبين، والمسح لا يكون إلى الكعبين بالاتفاق. انتهى كلامه.
وفيه:
أما البيت، فهو على خلاف ما توهمه لأن معنى قوله: لم يبق إلا أسير، أي: لم يبق غير أسير، و (غير) تعاقب إلا في الاستثناء، ثم قال: (وموثق) بالجر عطفا على المعنى، وعلى موضع (أسير)، فكأنه قال: لم يبق غير أسير وغير منفلت، ولم يبق غير موثق.
أنظر: تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي 1 / 68 في مناقشته الاحتجاج بالبيت المذكور.
وعن منعه اللبس بالتحديد المذكور، فهو غلط بين أكثر من غلط الاستدلال بالبيت.
أما أولا: فقد مر بطلان القياس بالتحديد على الغسل بأوضح صورة وأجلى برهان، وقد ذكرنا بالإضافة إلى برهان المصنف (قدس سره) من رد القول بالتحديد في هامش رقم 1 ص 399، وفي هذا الصدد قال أبو شامة (ت 665 ه‍): التحديد لا دلالة فيه على غسل ولا على مسح، وإنما يذكر عند الحاجة إليه، فلما كانت اليد والرجل لو لم يذكر التحديد فيهما لاقتصر على ما يجب قطعه في السرقة، أو لوجب استيعابها غسلا ومحا إلى الإبط والفخذ، اعتنى بالتحديد فيهما، ولو لم يحتج إلى التحديد لم يذكره لا مع الغسل، ولا مع المسح كما في الوجه والرأس. أنظر: إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع للشاطبي، لأبي شامة الدمشقي: 427.
وأما ثانيا: فقد قال الرازي في تفسيره الكبير 11 / 162 عن جواب الشيعة في مسألة التحديد: والقوم أجابوا عنه بوجهين:
الأول: إن الكعب عبارة عن العظم الذي تحت مفصل القدم، وعلى هذا التقدير يجب المسح على ظهر القدمين.
والثاني: إنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جنبي الساق، إلا أنهم التزموا، أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين. وحينئذ لا يبقى هذا السؤال.
ومنه يعلم غلط النووي الشافعي في نفي اللبس بقرينة التحديد إلى الكعبين، لا محالة.
(٤١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 406 407 408 409 410 410 415 416 417 418 419 ... » »»
الفهرست