مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٨ - الصفحة ٤١٠
(وجوهكم وأيديكم)، لأن الجملة المأمور فيها بالغسل، قد نقضت وبطل حكمها باستيناف الجملة الثانية (1).
ولا يجوز بعد انقطاع الجملة الأولى أن يعطف عليها، إذ يجري ذلك مجرى: ضربت زيدا وعمروا، ومررت بخالد وبكرا! وهو ظاهر.
وعلى ما قلناه يتطابق معنى القراءتين ولا تتنافيان (2) [جر الأرجل بالمجاورة عند البيضاوي!] ثم أقول:
ولورود ما أوردناه على صاحب الكشاف، ترى القاضي البيضاوي (3) - مع كونه في تفسيره إنما يقتبس من أنواره ويهتدي بآثاره - لم يرتض في دفع معارضة قراءة الجر بالتزام عطف الأرجل على الرؤوس، بل استحقره عن النقل. واضطر في دفع التعارض إلى ارتكاب أن قراءة الجر مبنية على الجر بالمجاورة (4)!

(١) تقدم الرد على ادعاء نصب الأرجل عطفا على الوجوه والأيدي في ص ٣٧٧ من هذه الرسالة.
(٢) راجع الهامش رقم ٣ ص ٣٦٨ - ٣٨٧.
(٣) هو عبد الله بن عمر بن محمد ناصر الدين الشيرازي البيضاوي الشافعي، ولد قرب شيراز في المدينة البيضاء وولي قضاء شيراز فيما بعد، ثم صرف عنه، فرحل إلى تبريز، له: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، والغاية القصوى في دراية الفتوى، وشرح مختصر ابن الحاجب، وغيرها، مات بتبريز سنة ٦٨٥ ه‍ ودفن فيها.
الوافي بالوفيات ١٧ / ٣٧٩ رقم ٣١٠، مرآة الجنان ٤ / ٢٢٠، طبقات الشافعية - للسبكي - ٨ / ١٥٧، طبقات الشافعية - للأسنوي - ١ / ١٨٣ رقم ٢٦٠، البداية والنهاية ٣ / ٣٠٩ من المجلد السابع، طبقات المفسرين - للداوودي - ١ / ٢٤٨ رقم ٢٣٠ (٤) المراد بالجر على الجوار أو المجاورة أو الاتباع، هو أن تكون الأرجل - في قراءة الجر مجرورة عطفا على الرؤوس في الإعراب، وعلى الوجوه في المعنى، أي: أن حق الأرجل هو النصب، ولكنها لما جاورت المجرور جرت لمجاورته وتابعته في إعرابه.
وهنا ينبغي التأكيد على أمور في غاية الأهمية، وهي:
الأول: إجماع الشيعة الإمامية على بطلان جر الأرجل بالمجاورة، وكتبهم الفقهية المقارنة، والتفسيرية طافحة بمناقشة حجج القائلين بجر الأرجل بالمجاورة، وتفنيدها.
الثاني: إن جميع من قال بجر الأرجل من العامة - فيما تتبعناه - إنما هو مقلد للأخفش (ت ٢٠٧ ه‍) في معاني القرآن لأنه أول من قال بذلك، ولم يسبقه إلى هذا القول أحد فيما أعلم.
الثالث: اشتباه الأخفش ومن تابعه على ذلك القول، وقد صرح بتخطئته جملة من علماء العربية، والفقهاء، والمفسرين، كما سيأتي مفصلا في الأمر السابع.
الرابع: عدم وقوع الجر بالمجاورة في القرآن الكريم مطلقا لما يستلزمه من أمور يجل عنها كتاب الله تعالى كما سيتضح إليك في كلام المصنف (قدس سره).
الخامس: إعراض جملة من مفسري العامة عن هذا القول في كتبهم التفسيرية، وأما من ذهب إليه منهم، فقد رده آخرون من مفسري العامة أنفسهم.
السادس: في من قال بجر الأرجل بالمجاورة، وهم:
الأخفش (ت ٢٠٧ ه‍) في معاني القرآن ٢ / ٤٦٥، وأبو عبيدة (ت ٢١٠ ه‍) في مجاز القرآن ١ / ١٥٥، وتابعهما على ذلك: الفقيه السمرقندي (ت ٣٧٥ ه‍) في تفسيره ١ / ٤١٩، وقد وقع محققوا تفسيره في خبط عظيم وهم ثلاثة من أساتذة الأزهر الشريف وهم: الشيخ علي محمد عوض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والدكتور زكريا عبد المجيد التوني وذلك في تعليقتهم على عبارة السمرقندي وهي: قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وفي رواية: أبي بكر (وأرجلكم) بكسر اللام.
فعلقوا عليها في الهامش رقم ٣ من الجزء الأول ص ٤١٨ بما هذا نصه: وحجتهم: أنها معطوفة على الوجوه والأيدي، فأوجبوا الغسل عليها!!!
أقول: لم يلتفت هؤلاء الأساتذة إلى تتمة كلام السمرقندي نفسه إذ قال بعد العبارة المذكورة - وبلا فصل -: وقرأ الباقون بالنصب، فمن قرأ بالنصب فإنه جعله نصبا لوقوع الفعل عليه وهو الغسل، يعني: واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين، ومن قرأ بالكسر، جعله كسرا لدخول حرف الخفض - وهو الباء - فكأنه قال: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم.
وقد مر في الهامش رقم ١ ص ٣٧٠ تفصيل موقف هؤلاء القراء وغير هم من قراءة (وار جلكم) نصبا وجرا، فراجع.
وأبو زرعة (ت بعد سنة ٤٠٣ ه‍) في حجة القراءات: ٢٢٣، والواحدي (ت ٤٦٨ ه‍) في تفسير الوسيط ٢ / ١٥٩، والفقيه السرخسي (ت ٦٨٢ ه‍) في المبسوط ١ / ٩، والبغوي (ت ٥١٠ أو ٥١٦ ه‍) في معالم التنزيل ٢ / ٢١٧، وأبو البركات البغدادي (ت ٥٧٧ ه‍) في البيان في غريب إعراب القرآن ١ / ٤٢٢، حكاه بعنوان: وقيل هو مجرور على الجوار ثم علق عليه بقوله: وهو قليل في كلامهم، والكاساني الحنفي (ت ٥٨٧ ه‍) في بدائع الصنائع ١ / ٦، وابن الجوزي (ت ٥٩٧ ه‍) في زاد المسير ٢ / ٣٠١، وأبو البقاء العكبري (ت ٦١٦ ه‍) في التبيان في إعراب القرآن ١ / ٤٢٣، وفي إملاء ما من به الرحمن ١ / ٢٠٨، وابن قدامة الحنبلي (ت ٦٠٢ ه‍) في المغني ١ / ١٥٣، والنووي الشافعي (ت ٦٧٦ ه‍) في المجموع شرح المهذب ١ / ٤٢٠، وعبد الرحمن بن قدامة الحنبلي (ت ٦٨٢ ه‍) في الشرح الكبير ١ / ١٤٧ - وقد رده محقق الشرح الكبير في هامشه فقال ما نصه: والحق: أن هذه تأويلات، وأن المسح ثابت بقراءة متواترة عمل بها بعض السلف والعجب من هذا المحقق لأنه ضرب ما اعترف بتواتره وعمل السلف بمقتضاه عرض الحائط باختياره غسل الأرجل!! - والبيضاوي (ت ٦٨٥ ه‍) في أنوار التنزيل - وسوف يناقشه المصنف على ذلك - وابن كثير (ت ٧٧٤ ه‍) في تفسيره ٢ / ٢٦، والسيوطي (ت ٩١١ ه‍) في تفسير الجلالين ١ / ٢٦٤، وأبو السعود (ت ٩٥١ ه‍) في تفسيره ٣ / ١١، والمعاصر الصابوني الوهابي في روائع البيان ١ / ٥٣٣.
السابع: في الرد على من قال بجر الجوار.
أهمل الجر بالمجاورة جملة من علماء العامة، ولم يحتجوا به في تفاسير هم، ولا في كتبهم الفقهية، كما رده آخرون صراحة.
قال الزجاج (ت ٣١١ ه‍) في معاني القرآن وإعرابه ٢ / ١٥٣: فأما الخفض على الجوار فلا يكون في كلمات الله.
وقال النحاس (ت ٣٣٨ ه‍) في إعراب القرآن ٢ / ٩ ردا على الأخفش وأبي عبيدة: وهذا القول غلط عظيم لأن الجوار لا يجوز في الكلام أن يقاس عليه، وإنما هو غلط، ونظيره الإقواء.
وقال ابن خالويه (ت ٣٧٠ ه‍) في إعراب القراءات السبع ١ / ١٤٣، فهو (أي: جر الجوار) غلط، لأن الخفض على الجوار لغة لا يستعمل في القرآن، وإنما يكون لضرورة
(٤١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 405 406 407 408 409 410 410 415 416 417 418 ... » »»
الفهرست