2 - ولم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم، ويضعف بعضهم عن نصرته، ويتفق ما اتفق من الأمور الطريفة الغريبة... إن أسباب الظفر بالعدو كانت لائحة، وإن الاتفاق السيئ هو الذي عكس الأمر وقلبه حتى تم فيه ما تم.
3 - وقد هم أبو عبد الله عليه السلام لما عرف بقتل مسلم وأشير عليه بالعود، فوثب إليه بنو عقيل فقالوا: والله، لا ننصرف حتى ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا، فقال عليه السلام: (لا خير في العيش بعد هؤلاء).
4 - ثم لحقه الحر بن يزيد ومن معه من الرجال... ومنعه من الانصراف، وسامه أن يقدم على ابن زياد، نازلا على حكمه، فامتنع، ولما رأى ألا سبيل إلى العود، ولا إلى دخول الكوفة، سلك طريق الشام سائرا نحو يزيد، لعلمه عليه السلام بأنه - على ما به - أرق به من ابن زياد وأصحابه!
فسار حتى قدم عليه عمر بن سعد في العسكر العظيم، وكان من أمره ما قد ذكر وسطر.
فيكف يقال: إنه عليه السلام ألقى بيده إلى التهلكة؟!
وقد روي أنه عليه السلام قال لعمر بن سعد: اختاروا مني: إما الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو أن أضع يدي على يد يزيد - فهو ابن عمي يرى في رأيه -، وإما أن تسيروا بي إلى ثغر من ثغور المسلمين، فأكون رجلا من أهله، لي ماله، وعلي ما عليه.
وإن عمر كتب إلى عبيد الله بن زياد بما سأل، فأبى عليه، وكاتبه بالمناجزة، وتمثل بالبيت المعروف، وهو:
الآن إذ علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين أوان فلما رأى عليه السلام إقدام القوم، وأن الدين منبوذ وراء ظهورهم، وعلم أنه إن دخل تحت حكم ابن زياد تعجل الذل والعار، وآل أمره - من بعد - إلى القتل، التجأ إلى المحاربة والمدافعة لنفسه، وكان بين إحدى الحسنيين: إما الظفر، أو الشهادة والميتة الكريمة.