لكن هذا التصور خاطئ لوجوه:
الأول: أن كون الفعل قبيحا صدورا من الفاعل، لا يقتضي كونه قبيحا بالنسبة إلى الواقع عليه، فبالإمكان أن يفرض العمل قبيحا صدورا باعتبار حرمته على الفاعل أن يقوم به، ولكنه يكون بالنسبة إلى القابل، أو الواقع عليه جائزا مباحا، أو مرادا.
فلا مانع من أن يكون قتل الأئمة عليهم السلام حراما على القاتلين، لكونه ظلما وتعديا، بل من أقبح صوره وأفحشها، ولكن يكون الصبر على ذلك من الإمام أمرا حسنا لكونه امتثالا لأمر الله، وانقيادا لإرادته، ورضا بقضائه، وتعبدا بما عبد به الإمام، لتحقيق المصالح الدنيوية عليه، ولبلوغ الأئمة المقامات العالية المفروضة لهم في ظرف طواعيتهم وتحملهم لذلك.
الثاني: أنه مع ورود النص بثبوت علم الأئمة لا وجه للجوء إلى مثل هذا التصور، لأن قبح القتل - في موارد - إنما هو من جهة كونه ظلما وحراما، وكذا الإقدام على أن يقتل، والإلقاء إلى التهلكة، إنما يكون حراما إذا كان منهيا عنه، أما إذا تعلق به أمر إلهي، وصار موردا للتعبد به لمصلحة، فهو لا يكون قبيحا للمتعبد بذلك، والمفروض أن الأخبار قد وردت بذلك، فلا بد من فرض جوازه وحسنه.
كما كان الإقدام على الشهادة، والقتل في سبيل الله، من أفضل القرب وأشرفها، وأكثرها أجرا، وتستوجب أرفع الدرجات مع الصديقين.
الثالث: أن تحمل القتل والصبر عليه، في مثل هذا الفرض، لا يصح تسميته ضررا، بل هو نفع، من أنفع ما يقدم عليه عباد الله المخلصون، ويختارونه لكونه لقاء الله، ومقربا إليه، ولما يترتب على ذلك من المصالح للإسلام وللأمة، ولأنه محقق أروع الأمثلة للتضحية والفداء في سبيل الأهداف الإلهية الكبيرة والجليلة.