ومنهم من قال: إن ذلك لا يجوز، لأن دفع الضرر عن النفس واجب عقلا وشرعا، ولا يجوز أن يتعبد بالصبر على القبيح، وإنما يتعبد بالصبر على الحسن، ولا خلاف أن ما وقع من القتل كان قبيحا، بل من أقبح القبيح.
وتأول هذا القائل ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، من الأخبار الدالة على علمه بقتله، بأن قال: كان يعلم ذلك على سبيل الجملة، ولم يعلم بالوقت بعينه، وكذلك علم الليلة التي يقتل فيها بعينها، غير أنه لم يعلم الوقت الذي يحدث فيه القتل.
وهذا المذهب هو الذي اختاره المرتضى - رحمة الله عليه - في هذه المسألة.
ولي - في هذه المسألة - نظر (29).
والذي يستفاد من هذا النص سؤالا وجوابا:
1 - أن الطائفة لم تختلف في أصل (أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وما يجري عليهم) لكن المرتضى خالف في خصوص (الوقت المعين) للقتل، هل يعرفه الإمام بالتفصيل، أو يعرفه بالإجمال؟
وأما العلم بحوادث أخر فهو - أيضا مجمع عليه، ولا خلاف فيه.
2 - أن الأخبار التي ظاهرها العلم بالتفصيل - حتى بوقت الموت - متضافرة وواردة، وإنما القائل بالإجمال يحاول تأويلها!
3 - أن القائل بالإجمال إنما صار إلى ذلك، لتصوره أن أمرا مثل الإقدام على الشهادة أمر لا يمكن التعبد به، لأنه قتل قبيح، ولا تعبد بالقبيح!
وأن دفع الضرر واجب عقلا وشرعا، فلا يجوز تركه على الإمام.