فما كان منها واردا بالتفصيل التزم بعلمه له بالتفصيل، وما كان واردا بالإجمال التزم بعلمه بالإجمال.
وقد نفى المفيد في الفصل الثاني الاعتراض على علي عليه السلام (بأنه ألقى بنفسه إلى التهلكة إذا كان عالما بوقت مقتله).
بأنه عليه السلام على ذلك يكون مأمورا بتحمل ذلك والصبر عليه والاستسلام له، لينال - بهذه الطاعة وهذا التسليم - المقامات الربانية العالية المعدة له، والتي لا يبلغها إلا بذلك.
فليس المفيد - رحمه الله - في رد هذا الاعتراض مخالفا لما التزمته الطائفة من (علم الإمام بمقتله، وإقدامه عليه بالاختيار) وإن ادعى أن الآثار لم تنص على التفصيل، بل على مجرد الاجمال.
والتفصيل بتعيين الساعة والوقت، وإن لم يذكر في الآثار، إلا أن المعلوم من القرائن كون ذلك واضحا ومتوقعا للإمام عليه السلام.
ويظهر من هذا أن مجئ الأثر بذلك - لو تم - لكان كافيا، ووافيا للالتزام به، وعدم حاجة ذلك إلى القطع به، لما ذكرنا من أن ورود الأخبار - غير المعارضة ولا المنافية لأصل ثابت أو فرع مقبول - يكفي للالتزام في مثل هذه المواضيع، التي هي بحاجة إلى مقنعات متعارفة، دون حاجة إلى مثبتات قطعية، أو حجج شرعية.
والقول بأن الأئمة يعلمون الغيب بالإجمال دون التفصيل، قول التزم به من الطائفة السيد المرتضى وآخرون، وسنذكرهم أيضا.
إلا أن المستفاد من مجموع كلام المفيد - والطوسي فيما سيأتي - أن الطائفة مجمعة على أن النبي والأئمة يعلمون الغيب - من الله وبوحيه وإلهامه - إما بالتفصيل أو بالإجمال، وليس في الطائفة من ينكر علمهم هذا.
فالقول بنفي علم الغيب عنهم، مخالف لإجماع الطائفة، كما أن الالتزام بعلمهم بالغيب بالاستقلال مناف لعقائد الطائفة، ومعارض بآيات القرآن