وأما أمور - مثل علم النبي بموته - مما قامت الآثار والأخبار على أن النبي والأئمة كانوا على علم بها، من خلال الوحي وإخباره، وجبرئيل ونزوله، والكتب السماوية وأنبائها.
فليس في الالتزام بذلك تحديا لاختصاص علم الغيب بالله جل ذكره، وليس ذلك منافيا لكتاب أو سنة، أو أصل ثابت، أو فرع ملتزم به.
الأمر السادس:
ومن جميع ما ذكرنا ظهر عدم صحة الاستدلال على نفي علم الغيب عن الرسول والإمام بمحدودية وجودهما الذي هو من الممكنات، وعدم أزليتها، وعدم أبديتها، مع أن الغيب لا حدود له، والمحدود لا يستوعب غير المحدود - بحكم العقل - ولذلك اختص (علم الغيب) بالله تعالى الذي لا يحد.
وذلك لأن محدودية النبي والإمام أمر لا ريب فيه، ولا شبهة تعتريه، وكذلك اختصاص علم الغيب بالله أمر قد أثبتناه، ولم ينكره أحد من المسلمين، كما ذكرناه.
لكن المدعى أن الله تعالى أكرمهم وخصهم بأنباء من الغيب ووهبهم علمها، فبإذنه علموا ذلك، وأصبح لهم (شهودا) وإن كان لغيرهم (غيبا) محجوبا.
وإنما اختصهم الله بذلك، لقربهم منه بالعمل الصالح، والنية الصادقة، وإحراز الإخلاص والتقوى، والجد في البذل والفداء.
ولم يعطوا ذلك بالجبر والإكراه، بل من جهة امتلاكهم للسمات المؤهلة للوصول إلى الدرجات، واستحقاق المقامات التي أثبتتها لهم الفتنة والابتلاء والامتحان والمعاناة الطويلة التي قاسوها في مختلف مراحل وجودهم في الحياة.
إن أمر الاستبعاد والاستهوال لعلم الأئمة بالغيب الشامل للماضي