لاحظنا كيف أن القدماء لا يكتفون بذكر طرقهم المباشرة إلى مؤلفي الكتب، وإنما يهتمون أيضا بذكر أحوال نسخ الكتب التي وصلتهم، وأسماء نساخها.
كذلك اهتموا باحترام النصوص، وعدم العبث فيها، والحذر من أي تصرف فيها، ونقلها بالشكل الذي وصلتهم، وأضحت الأمانة العلمية من أوضح سماتهم في النقل ممن تقدموا عليهم.
يقول القاضي عياض:
(الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ نقل الرواية، كما وصلت إليهم وسمعوها، ولا يغيرونها في كتبهم، حتى طردوا تلك في كلمات من القرآن، استمرت الرواية في الكتب عليها، بخلاف التلاوة المجمع عليها... لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع والقراءة، وفي حواشي الكتب، ويقرأون ما في الأصول على ما بلغهم، ومنهم من يجسر على الاصلاح) (10).
وقد تجلت أمانتهم العلمية، وصيانتهم لآثار من سبقهم، في حرصهم على مقابلة ما وصلهم أو ما نسخوه من كتب بالأصل الذي سمعوه، وكتاب الشيخ الذي يرويه، وأكدوا على أن يكون هذا الأصل المنقول عنه صحيحا متقنا، كما نص على ذلك القاضي عياض بقوله:
(فليقابل نسخته من الأصل بنفسه حرفا حرفا، حتى يكون على ثقة ويقين من معارضتها به، ومطابقتها له، ولا ينخدع في الاعتماد على نسخ الثفة العارف دون مقابلة، نعم، ولا على نسخ نفسه بيده ما لم يقابل ويصحح، فإن الفكر يذهب، والقلب يسهو، والنظر يزيغ، والقلم يطغى) (11).
كما يؤكد العلموي على أن يقابل طالب العلم كتاب (بأصل صحيح