حصل مع تراث بعض الأمم.
وحين نلقي نظرة سريعة على آداب المتعلمين ورواة الحديث...
وغيرهم من العلماء والباحثين في التاريخ الإسلامي، نجد لديهم جملة تقاليد علمية تعارفوا عليها واشتهرت فيما بينهم، كلها تعبر عن حرص واهتمام شديدين على الدقة في تلقي العلوم الإسلامية، وبالذات الحديث الشريف، والإتقان والضبط في نسخها ونقلها، وتداولها، فمثلا اشتهرت بينهم (الرحلة في طلب الحديث)، حين يرحل الراوي من الكوفة إلى المدينة المنورة مثلا لأجل ذلك، (وإجازة الرواية) وغيرها من طرق تحمل الحديث، تلك الطرق التي تشير إلى الاهتمام الواسع بالحديث الشريف، والعناية في نقله وروايته.
وقد بلغت الدقة في النقل درجة دأب معها هؤلاء الرواة على تفحص نسخ الكتب، وتمييزها ما بين نسخ الكتاب الواحد من اختلاف، وإن كان طفيفا، كما يؤكد ذلك الشيخ النجاشي (372 - 450 ه) في حديثه عن نسختي (كتاب السنن والأحكام والقضايا) قائلا: (وذكر شيخنا أن بين النسختين اختلافا قليلا...) (1).
وينقل الشيخ النجاشي قولا من ما كتبه له أبو العباس أحمد بن علي بن نوح السيرافي حول سؤاله عن الطرق إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي، بعد بيان هذه الطرق، مشددا على الحذر من أي تصرف - مهما كان - في النسخ:
(فيجب أن تروي عن كل نسخة من هذا بما رواه صاحبها فقط، ولا تحمل رواية على رواية، ولا نسخة على نسخة، لئلا يقع فيه اختلاف) (2).