مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ١١٨
الفعل أحيانا؟ فإن ذلك يكون كاشفا قطعيا من عدم وجوبه بلا ريب ولا شبهة، بل يكون تركه شاهدا على سنيته ومؤكدا لها، كما في ما نحن فيه من إيثاره صلى الله عليه وآله وسلم الجمع بين الصلاتين وتركه التفريق المعلوم من غالب أحواله عليه وآله الصلاة والسلام دفعا لتوهم الوجوب، والله أعلم.
وقد مر عليك أنه لا تعارض بين أحاديث الجمع وأحاديث المواقيت.
وبه تعرف ما في دعوى نسخ أحاديث الباب بأحاديث المواقيت، فإن من زعم ذلك فقد قال الكذب وادعى ما لا علم له به ولا برهان له عليه، فإن النسخ لا يثبت بمجرد الدعوى والنقول على النصوص الشرعية بلا دليل ولا برهان، ولو ولو كان ذلك كذلك لادعى كل من شاء إبطال نص ورد العمل به أنه منسوخ، ولعارضه خصمه بأنه ناسخ وأن دليله هو المنسوخ، فتصير الأدلة الشرعية كلها منسوخة وناسخة، وفي هذا من التناقض والفساد ما يكفي في الزجر عن ادعاء النسخ بغير دليل ولا برهان - كما قال المحقق ابن الصديق (98) -.
ومم يدفع هذه الدعوى أن الناسخ متأخر عن المنسوخ بالضرورة، وبيان الأوقات إنما كان بمكة قبل الهجرة، والجمع كان بعدها بالمدينة، فالصحيح - بناءا على ذلك - أن أحاديث الجمع ناسخة لأحاديث المواقيت لا العكس، فتنبه.
وأما حديث ابن مسعود فقد تقدم الجواب عنه، فراجع إن شئت.
هذا، مع أن دعوى عدم اشتراك الصلاتين في وقت واحد منقوضة بجمع السفر عند غير الحنفية (99) وجمعي عرفة والمزدلفة عندهم وعند غيرهم، وغير ذلك من موارد الجمع، كالجمع بعذر النصوص والمطر ونحوهما - كما عرفت

(٩٨) إزالة الخطر: ٩٥.
(٩٩) قال في المسوي: أكثر أهل العلم على جواز الجمع في السفر بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في وقت إحداهما، كما في الروضة الندية شرح الدرر البهية، لصديق بن حسن القنوجي البخاري 1 / 156.
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست