والمقام ليس كذلك، فإن الحبس الصادر عن عمر لم يكن إلا عملا صدر منه، وعرفنا من عتابه أن سبب الحبس هو أن الصحابة كانوا يروون الحديث عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم، ولم ينههم لفظا عن رواية الحديث، كي يكون عاما قابلا للتخصيص بقوله: أقلوا.
مضافا إلى أن ما سنورده على هذا التوجيه، وارد على فرض إرادة الخاص ويرد على هذا التوجيه، أمور:
الأول: قوله: " كان عمر شديد الإنكار على من أكثر الرواية... يريد ألا يتسع الناس فيها ".
يرده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحب الرسالة، والصادع بأمر الشريعة، ومصدر الرواية والحديث، كان يريد الاتساع في الرواية، والاكثار منها، وكان يحث أصحابه وأمته على سماع الحديث، ونقله، وتحمله، وأدائه، وتبليغه، ونشره.
وإن رغبة الشارع في التوسعة في الحديث والرواية مما لا ينكره عالم من علماء الإسلام، حتى أصبحت التوسعة فيها من مفاخرهم، وقد لقبوا كبار المحدثين، المكثرين من حفظ الرواية والسعة فيها، بألقاب خاصة مثل الحاكم، والحافظ، والحجة، وغير ذلك (39).
فما بال عمر، يريد أن لا يتسع الناس في الحديث والرواية، وهي - لا تزال في عصره - غضة، نضرة، عبقة بأثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الباهر، ويفوح منها أريج النبوة العاطر؟!
لماذا لا يريد عمر، الاتساع في الحديث، وهو سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي أمر المسلمون باتباعها، ولهم فيها برسول الله أسوة حسنة؟!.
ومن هم الناس الذين لا يريد اتساعهم في الرواية؟! أليسوا هم - في ذلك