وسيأتي أن جمعا من الصحابة عارضوا إجراءات عمر لمنع الحديث، وفيهم علي عليه السلام، وأبو ذر وابن عباس، وهؤلاء من مكثري الصحابة.
إن نسبة ما سنه عمر من منع الحديث - سواء عاما أو خاصا بالإكثار - إلى الصحابة الكرام، تخالف الواقع الموجود في ما بأيدينا من كتب الحديث، حيث أن هذه الآلاف المؤلفة من الأحاديث لم ترو إلا من طريق صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهي الدليل القاطع على أن الصحابة لم يلتزموا بأوامر عمر بالإقلال، ولم يأبهوا بإجراءاته في المنع من الاكثار.
والعجب من الدكتور نور الدين عتر أنه جعل (الاقلال في الحديث) من قوانين الرواية، فقال: وأهم قوانين الرواية - في عهد الصحابة - تقليل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ خشية أن تزل أقدام المكثرين بسبب الخطأ أو النسيان، فيقعوا في شبهة الكذب على رسول الله صلى عليه وآله وسلم، من حيث لا يشعرون.
فكان أبو بكر وعمر يشددان في ذلك، وقد سلك عموم الصحابة هذا السبيل (41).
أقول: هذا الكلام بعيد عن الموضوعية من جهات:
1 - أنه تعرض لمسألة الاقلال، وأهمل ذكر منع عمر، وأبي بكر لأصل الحديث والرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامة، قليلا كان أو كثيرا وهو ما يظهر من أخبار المنع التي قدمناها.
وقد فهم الصحابة من عمر، النهي عن الحديث، حيث سألوه: أتنهانا؟!.
وهو - وإن قال لهم: " لا " - إلا أنه أقدم عمليا على حبسهم عنده، فمنعهم - عمليا - من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطلقا.
وقد مضى أن ابن البري فسر " الحبس " بالمنع من الحديث (42) من دون إشارة إلى