فلم يلتزموا بأوامره - ولا أوامر الولاة من بعده - بمنع الحديث كما لم يلتزموا بإجراءاته الشديدة في منع التدوين وكتابة الحديث، بل خالفوه، فكتبوا، وخلفوا لنا وللأجيال ما نشكرهم عليه وتشكرهم الأيام.
4 - توجيه ابن عساكر:
روى ابن عساكر حديث منع عمر لابن مسعود، وقال بعده: لم يكن هذا من عمر على وجه التهمة، وإنما أراد التشديد في باب الرواية لئلا يتجاسر أحد إلا على رواية ما تحقق صحته (35).
أقول: أما وجود التهمة للصحابة، فهو المحسوس من ظاهر كل الأحاديث المتضمنة لمنع عمر لهم عن الحديث، حيث إنه تكلم معهم مستنكرا حديثهم، فقال: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
والمرء يؤخذ بظاهر كلامه.
كما أن قوله في حديث عبد الرحمن بن عوف (1) للصحابة بوضوح: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الآفاق؟!
ثم يقول لهم: فنحن أعلم، نأخذ منكم، ونرد عليكم.
هو كلام من لا يقبل من الصحابة، ويتهمهم، وإلا فلماذا يرد عليهم؟! وما هو المردود عند عمر؟!
والعجيب أن علماء العامة يحاولون التمويه، فيسمون ذلك من عمر " تثبتا " في الحديث، ومحافظة عليه حتى أوردوا أخبار منعه للحديث في أبواب ترجموها ب " التوقي في الحديث ".
وقد أشرنا في جوابنا عن توجيه الخطيب إل أن أسلوب منع الصحابة بغرض ترهيب غيرهم، أسلوب غير شرعي، ولا مقبول، فلاحظ.