مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢٢ - الصفحة ٣٣
وبعد ذلك نجيب عن هذا التوجيه بما يلي:
أولا: إن منع الحديث بغرض المحافظة، أشبه ما يكون بالتناقض، كما إذا أراد الإنسان أن يصلح أداة معينة - أصابها عطب - فيعمد إلى إبادة تلك الآلة أو تهشيمها، وكما إذا أراد الإنسان أن يؤدب عبدا، فيعمد إلى قتله وإعدامه.
إن من يريد التثبت من الحديث يلزمه أن يحوطه بما لديه من إمكانات احتياطية، ويحدد له طرقا معينة ويشخص له موارد مأمونة، ومراجع صالحة، تقوم على رعايته والمحافظة عليه، لا أن يعمد إلى كبار الصحابة وحفاظهم للحديث فيكم أفواههم، ويخوفهم، ويشدد عليهم ويستنكر رواياتهم، ويهددهم بالإبعاد عن المدينة أو يجبرهم على الإقامة فيها، أليس هذا نقضا لغرض المحافظة على الحديث؟! ألم يجعل عمر - بحبس الصحابة ومنعهم من الحديث - ما عند أولئك الصحابة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكتومة في صدورهم؟! فلم يبثوه إلى الأمة؟! ولعلها تعرضت لعوامل النسيان وغيره!؟.
أمثل هذا العمل يسمى محافظة؟! أو تثبتا؟! أو توقيا.؟!.
أم يسمى هدرا، وتفريطا، وتضييعا، وإماتة؟؟؟!
وثانيا: من المتفق عليه - لدى كافة العقلاء - أن كتابة العلم، وتسجيل المعلومات ما من أفضل وسائل الحفظ والصيانة والتثبت.
ولو كان عمر يهدف من إجراءاته تلك المحافظة على الحديث والتثبت والتوقي فيه، وكان يخاف من تداوله بين الناس وعدم صحته، لكان يلجأ إلى تدوينه، ويأمر بتقييده، وضبطه، أو يشرف هو - وجمع من الصحابة الحافظين له المأمونين - على عملية جمعه.
لكن، نرى أنه إلى جنب منع رواية الحديث ونقله بهذه الشدة، كان من أشد المانعين للتدوين، بأعذار مختلفة!
فبأي شكل كان يريد المحافظة على الحديث؟! إذا هو يمنع من جهة نقله وتداوله والمذاكرة به، ويمنع من جهة أخرى كتابته وضبطه وتدوينه وتقييده؟؟!
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست