فأما ما يحكى عن (ابن) (5) أبي داود السجستاني (6) من إنكاره له، وعن الجاحظ (7) من طعنه في كتاب العثمانية (8) فيه، فليس بقادح في الإجماع الحاصل على صحته، لأن القول الشاذ لو أثر في الإجماع، وكذلك الرأي المستحدث لو أبطل مقدم الاتفاق، لم يصح الاحتجاج بإجماع ولا ثبت التعويل على اتفاق، على أن السجستاني
(٥) لم ترد في نسخنا، ولعله اشتباه وقع فيه النساخ.
(٦) عبد الله بن سليمان الأشعث السجستاني، ويكني بأبي بكر، ولد بسجستان في سنة ثلاثين ومائتين، أبوه صاحب السنن المعروف، أخذ عن أبيه، وطاف معه كثير من البلدان، وحضر دروس العديد من شيوخ أبيه حتى اعتبروه من كبار الحفاظ، إلا أنة يؤخذ عليه تجرئه علي الحديث حيث نقل عن الذهبي (ت ٧٤٨ ه) في سير أعلام النبلاء ١٣: ٢٢٢ / ١١٨: " قال عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن ابن أبي داود فقال: ثقة " كثير الخطأ في الكلام على الحديث " وكذا نقل مثله في تذكرة الحفاظ ٢: ٧٧١.
بل طعن فيه ابن عدي (٢٧٧ - ٣٦٥ ه) في الكامل في ضعفاء الرجال ٤: ١٥٧٧ حيث قال: " سمعت علي ابن عبد الله الداهري يقول: سمعت أحمد بن محمد بن عمرو بن عيسى كركر يقول: (سمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: ابني عبد الله هذا كذاب).
وكان ابن صاعد يقول: " كفانا ما قال أبوه فيه.
سمعت عبد الله بن محمد البغوي يقول له - وقد كتب إليه ابن أبي داود رقعة يسأله عن لفظ حديث لجده لما قرأ رقعته -: أنت والله عندي منسلخ من العلم.
سمعت عبدان يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: ومن البلاء أن عبد الله يطلب القضاء " إنتهى.
(٧) أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، له تصانيف كثيره، أخذ عن النظام، روى عن أبي يوسف القاضي، وثمامة بن أشرس، وروى عنه أبو العيناء، ويموت بن المزرع.
خبيث مطعون فيه، لا يؤخذ بأقواله ولا يعتد بآرائه، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال ٣: ٢٤٧ / ٦٣٣٣، وفي سير أعلام النبلاء ١١: ٥٢٦ / ٥٢٦: ١٤٩: " قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون.
قلت: وكان من أئمة البدع.
وعن الجاحظ: نسيت كنيتي ثلاثة أيام، حتى عرفني أهلي!!
قلت: كان ماجنا قليل الدين... يظهر من شمائله أنه يختلف) إنتهى.
وقال الحافظ ابن كثير (ت ٧٧٤ ه) في البداية والنهاية ١١: ١٩: " وفي سنة خمس وخمسين ومائتين توفي الجاحظ المتكلم المعتزلي، وإليه تنسب الفرقة الجاحظية لجحوظ عينيه، كان شنيع المنظر سيئ المخبر، ردئ الاعتقاد، ينسب إلى البدع والضلالات، وربما جاز به بعضهم إلى الانحلال " حتى قيل في المثل: يا ويح من كفره الجاحظ " انتهي.
(٨) رسالة من رسائل الجاحظ طرح فيها جملة من الآراء والمعتقدات الشاذة، نقضها أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي (ت ٢٤٠ ه) وهو من أكابر علماء المعتزلة ومتكلميهم حيث يندر أن تخلو كتبهم من آرائه، ويقال: إنه صنف سبعين كتابا في الكلام منها: " المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام " و (نقض العثمانية).
وقد نقل ابن أبي الحديد المعتزلي جوانب متعددة من هذه الرسالة ونقضها.
أنظر: شرح نهج البلاغة ٧: ٣٦، 13: 215 - 294، 16: 264.