مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٥ - الصفحة ١٤٧
خلاصة البحث بعد هذا العرض الموجز لما سمي ب‍ (أصول النحو) يبدو لي أن الذين وضعوا هذه الأصول، لم يكونوا على جانب من الجدية في وضع (أصول) يراد لها أن تكون (منطقا) أو منهج بحث للتفكير النحوي، واستنباط أحكامه، كما كانت (أصول الفقه) منطق الفقه، ومنهج التفكير الفقهي، وكل ما في الأمر أنهم رأوا في أصول الفقه (أصولا جاهزة) يمكن ضرب الأمثال لها - ولو بالتمحل - من مسائل النحو وأحكامه.
وقد رأيت أن الأصول - أية أصول - تبحث في ناحيتين: تشخيص الأدلة... وأوجه دلالتها ولم يوفق هؤلاء المؤلفون - عدا ابن جني - في عملية (التقليد) التي ساروا عليها، لا في تشخيص أدلة النحو، ولا في طرق دلالتها، أما التشخيص فلم يثبت منها ما يصلح لأن يكون (دليلا) لاستنباط الحكم النحوي غير (النص) و (القياس على النص) مع ما أثرناه وأثاره الكثيرون من ملاحظات على أصولهم في السماع والقياس.
أما الاجماع، والاستحسان، والاستصحاب، فهي إلى الوهم أقرب منها إلى الظن، وقد أوحتها طبيعة تقليد هؤلاء النحاة لمذاهبهم الفقهية كما رأيت!!
وأما أوجه دلالة الأدلة، فقد نقشت بصورة ساذجة عن أصول المذاهب الفقهية التي كان يتبعها هؤلاء النحاة سواء في الأركان، أم الشرائط، أم الأقسام، أم المسالك، أم قواعد التوجيه.
وأنا إذ أستثني ابن جني، فلأن كتابه (الخصائص) لم يعقد لأصول النحو وحدها - وإن توسع في بحوث القياس بما يعود نفعه على فروع اللغة عموما - ولأنه، بما له من أصالة وسعة، وجدية، لم ينقل عن أصول الفقه نقلا يكاد يكون حرفيا - كما فعل الأنباري والسيوطي -، بل إن عقده بابين للإجماع والاستحسان، لم يكن فيهما ما يشعر بأنه يؤكد حجيتهما، على أساس أنهما كالقياس والسماع، وقد رأيت كيف أنه غمز من قناة الاجماع وجوز للقائس مخالفته، وجعل
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»
الفهرست