والظهور في هذه المسألة لأبي حنيفة، وقد كنت علقت عن شيخنا أبي بكر محمد بن موسى الخوارزمي، عند قراءتي عليه مختصر أبي جعفر الطحاوي وبلوغي إلى هذه المسألة من كتاب النكاح - الحجاج على الشافعي - في جواز النكاح بشهادة رجل وامرأتين، وإبطال تعلقه بقوله عليه السلام: (لا نكاح إلا بشاهدين)، وذلك أن هذا القول يتناول الرجل والمرأتين، والدليل على ذلك قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان...) (50) وتقدير الكلام: فإن لم يكن الشاهدان رجلين، فالشاهدان رجل وامرأتان... " (51).
16 - في الرضاع قال: " ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب)، وهذه استعارة، لأنه عليه الصلاة والسلام جعل التحام الولي بوليه كالتحام النسيب بنسيبه، في استحقاق الميراث، وفي كثير من الأحكام... " (52).
17 - في عدة الحربية إذا أسلمت قال: " وأبو حنيفة يستشهد بهذه الآية: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " على أنه لا عدة للحربية إذا خرجت إلى دار الإسلام مسلمة، وبانت من زوجها بتخليفها له في دار الحرب كافرا، ويقول: إن في الاعتداد منه تمسكا بعصمة الكافر التي وقع النهي عن التمسك بها، ويذهب إلى أن الكوافر - هاهنا - جمع فرقة كافرة - كما أن الخوارج جمع فرقة خارجة.
ليصح حمل الكوافر على الذكور والإناث، ويكون قوله تعالى: " ولا تمسكوا " خطابا للنبي - صلى الله عليه وآله - والمؤمنين، والمعنى: ولا تأمروا النساء بالاعتداد من الكفار، فتكونوا كأنكم قد أمرتموهن بالتمسك بعصمهم.