بالحجر هاهنا - على قول بعضهم - الإعناف به والغلظة عليه بتوفية الحد الذي يستحقه من الجلد له... " (62).
24 - حكم الجاني خارج الحرم قال: " وقد اختلف الفقهاء فيمن جنى في غير الحرم ثم لجأ إليه، فقال أهل العراق - أبو حنيفة وأصحابه: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زياد اللؤلؤي -:
إذا قتل في غير الحرم، ثم دخل الحرم لم يقتص منه ما دام فيه، ولكنه لا يبايع، ولا يشارى، ولا يطعم، ولا يسقى، إلى أن يخرج من هناك فيقتص منه، وإن قتل في الحرم قتل فيه، وإن جنى فيما دون النفس في الحرم، أو في غيره، ثم دخله، اقتص منه فيه.
وقال أهل المدينة - مالك والشافعي -: يقتص منه في الحرم في ذلك كله.
وأهل العراق يعتمدون - فيما يذهبون إليه: من ترك قتل من جنى في غير الحرم ثم لجأ إليه - على ما روي عن ابن عباس، وابن عمر، وعبيد بن عمير، وسعيد بن جبير، وعطاء وطاووس، والشعبي، فيمن قتل ثم لجأ إلى الحرم: إنه لا يقتل.
قال ابن عباس: ولكنه لا يجالس، ولا يؤوى، ولا يبايع، ولا يشارى، حتى يخرج من الحرم فيقتل، فإن فعل ذلك في الحرم أقيم عليه الحد فيه.
ولم يختلف السلف ومن بعد هم من الفقهاء في أنه إذا جنى في الحرم كان مأخوذا بجنايته ويقام عليه الحد فيما يستحقه من قتل أو غيره.
وأما الجناية فيما دون النفس وأخذ الجاني بها - وإن لجأ إلى الحرم - فإنهم يقيسونها على الدين يكون عليه، فيقولون: ألا ترى أنه لو كان عليه دين فلجأ إلى الحرم حبس به، والحبس في الدين عقوبة لقوله عليه السلام: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته).
وفسر إحلال العرض هاهنا: باستحلال دمه، والعقوبة: بالحبس له، فجعل عليه السلام الحبس عقوبة، وهو فيما دون النفس، فكل حق وجب عليه فيما دون النفس أخد به وإن لجأ إلى الحرم، قياسا على الحبس في الدين. وفي ما ذكرناه من ذلك كاف بحمد الله تعالى " (63).