لوامع الحقائق في أصول العقائد - ميرزا أحمد الآشتياني - ج ٢ - الصفحة ٤٤
النفيسة البديعة، كذلك يقدر على إفاضة المراتب المترتبة المتتالية على الرميم الموجود في القبور البالية، بل على المتشتت في البراري والصحارى بجمعه وتأليفه بيد القدرة وبالإرادة التكوينية القاهرة و إفاضة الروح عليه بعدما تم الاستعدادات وكملت القابليات كما خلقه أول مرة حيث لم يكن على وجه الأرض أثر من ذي حياة نباتا أو حيوانا فخلق الإنسان من سلالة من طين فكيف كان خلقة آدم أبي البشر و كيف تعلق النفس المجردة الروحانية بالبدن العنصري الجسماني، بل وكذا جميع الحيوانات الأولية برية وبحرية فقد كان خلقها جميعا من العناصر الموجودة الغير الحية لفرض حدوثها فتعلقت - الأرواح بالأبدان المخلوقة من الجمادات ومن هذا الباب إحياء - الأموات عند المعجزة بدعاء الأنبياء ومسألتهم من الله تبارك وتعالى كما هو صريح الآيات وتواترت به الروايات.
فإنكار المعاد الجسماني وعود الأرواح إلى الأجسام الذي يساعده العقل السليم يخالف نص القرآن بل جميع الأديان وإنكار لما هو ضروري الإسلام، أعاذنا الله تعالى من زلات الأوهام وتسويلات الشيطان، فعليه بالحري أن يقال إن جميع النفوس المدركة لذواتها سواءا كان إدراكها عقلانيا كالانسان أو خياليا وجزئيا ككثير من - الحيوانات لها نحو تجرد وباقية بعد بوار الأبدان العنصرية فلا إشكال في تعلقها وارتباطها ثانيا بالأبدان المؤلفة المخلوقة مما تفرقت و تشتت كما قال الله تعالى في القرآن العظيم. (1)

1 - " إن الله يبعث من في القبور " الحج: 7 " والموتى يبعثهم الله " أنعام: 36.
" زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم وذلك على الله يسير " التغابن: 8. " أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون " الواقعة: 59 و 60. ووجه الاستدلال بها على ما في التفسير الكبير أن المني إنما يحصل من فضلة الهضم الرابع وهو كالظل المنبث في أطراف آفاق الأعضاء ولهذا تشترك الأعضاء في الالتذاذ بالوقاع ويجب غسلها كلها من الجنابة، لحصول الانحلال عنها كلها، ثم إن الله سلط قوة الشهوة على البنية حتى أنها تجتمع تلك الأجزاء الظلية المتفرقة في أوعية المني والجوارح والقوى فالحاصل إن تلك الأجزاء كانت متفرقة جدا أولا في أطراف العالم ثم إنه تعالى جمعها في بدن ذلك الحيوان منبثة في أطراف بدنه ثم جمعها بقوة المولدة في أوعية المني ثم أخرجها ماء دافقا إلى قرار الرحم فإذا كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها وكون منها ذلك الشخص فإذا تفرقت بالموت مرة أخرى فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى فهذا تقرير هذه الحجة.
" يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج - ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شئ قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور " الحج: 6 و 7 و 8. " ألم يك نطفة من مني يمنى - ثم كان علقة فخلق فسوى - فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى - أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى " القيامة: 38 و 39 و 40.
" فلينظر الإنسان مم خلق - خلق من ماء دافق - يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر " الطارق: 5 و 6 و 7 و 8. " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون " البقرة: 26.
" وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا - قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة " الإسراء: 52 و 53. " وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " الروم: 26.
" إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدءوا الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون " يونس: 4. " إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى " طه: 15 و 16. واستدل تعالى بإحياء الموتى في الدنيا على صحة الحشر والنشر في الأخرى كما في خلق آدم ابتداء من غير مادة لأب وأم، ومنها قوله تعالى: " فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى البقرة: 98 ومنها في قصة الخليل وقوله " رب أرني كيف تحيي الموتى قال: أو لم تؤمن قال: بلى " الآية ومنها في قصة حزقيل وقوله " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها " الآية. " ومنها في قصة أصحاب الكهف " " ولتعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها " ومنها في قصة أيوب " وآتيناه أهله ومثلهم معهم " إلى غير ذلك من الآيات.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»