وبيان البرهان التفصيلي في المقام موقوف على ذكر مقدمة: و هي أن إطلاق لفظ النور على مصاديقه في العرف، كنور الشمس، والنور الحادث من القوة الكهربائية، وغيرهما، إنما هو لكونه ظاهرا بذاته، ومظهرا لغيره مما لا ظهور له في ذاته، كسطوح الأجسام، والأشكال، والألوان، فإنه لولا الشمس، أو غيرها من المنورات، كانت مظلمة، ثم إنه إذا تأمل الإنسان وتفكر، يعلم أن الظهور لكل نور إنما هو بسبب وجوده، وأن كل ما لا وجود له لا ظهور له، وكذلك ظهور كل محسوس، والاحساس به، لأجل وجود ذلك المحسوس، ووجود القوة الحاسة له، غاية الأمر أن مدرك المحسوسات مختلف، فمدرك ظهور الأنوار هو القوة الباصرة، ومدرك ظهور الأصوات هو القوة السامعة، ومدرك ظهور الطعوم هو القوة الذائقة، وهكذا الحال في بواقي المحسوسات، والكل بتبع الوجود، فما لم يوجد صوت لا يدركه السامعة، وما لم يوجد طعم لا يدركه الذائقة، وهكذا في كل الظهورات، فعلم أن كل ظهور في العالم إنما هو بالوجود، فكل ما لا وجود له لا ظهور له، جوهرا كان، أو عرضا، لكن ظهور كل محسوس لمدركه، له شرائط، إذا لم تكن تلك الشرائط لا ظهور له، وإن كان له وجود، مثلا: الظهور للأبصار يحتاج إلى لون، ونور، فما لا لون له لا يرى، وإن كان موجودا مدركا للقوة اللامسة، كالهواء.
ثم نقول: كما أن كل ما له نور وظهور حسى، قد يكون ذلك له بذاته بلا انعكاس من غيره كنور الشمس، والنور الحادث من القوة الكهربائية، وقد يكون ذلك بانعكاس من غيره، كالأجسام المستضيئة بهما، كذلك الوجود، وهو النور الحقيقي، على قسمين: قسم ظاهر بذاته، ووجود وموجود بذاته، وهو الوجود القيومي، والنير المنور