بوجوه غير التي دخلوا بها عليه، في قلوبهم ألوان تباينت من المشاعر وفي نفوسهم أهواء شتى تصخب وتتلاطم وكل له هم سوى هم أخيه.
وكان الناس عند الباب في جموع تنتظم، الكبير والصغير، قد تدافعوا ينظرون الرجل الذي ظنوا انعقد له اللواء، ولكن الأمر بدا كان لم ينضج، وتعلقت آلاف العيون المتعلقة إلى ذلك الربعة الضخم وهو يسير إليهم كما ينحدر السيل، وبدا لهم وجهه الأسمر النبيل وقد انحسر ما كان من شعر يتوجه في الماضي عن جبهته يتحدث في سعتها الذكاء، ونطقت عيناه ببسمة حنان تغشاها أسى وشاه الاستحياء، وهفت القلوب إليه، ولكن هيئته أوحت لهم باصطناع السكوت وكبت ما يضمرونه من حب مكنون ولكنهم إنطلقوا نحوه مكشوفي العواطف تحت نقاب النظرات الرقيق فأولئك العامة كانت نفوسهم أصفى من أن تعرف المراءات وأنقى من صفحة مرآة...
لم تفسدها الأغراض ولم تشبها بل كانت إن كرهت فلله وإن أحبت فلله، تكأكأت عليه الجموع وكلها مستضعف وزاهد وفقير، ولأن تباينوا بين عبد وحر إلا أنهم في الحرمان سواء هذا لا يملك ما يملأ معدته وذاك لا يملك أن يفك رقبته، وإنما ألفت بين قلوبهم عاطفة الإكبار والإخلاص لابن عم الرجل الذي جعلهم ناموسه في صف واحد مع أعلى الناس، ولم تكن العاطفة وحدها هي التي ألفت قلوب الشعب على هذا الرجل الضخم الأصلع القصير.. لقد أحبوه حقا بحبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقربوه إلى نفوسهم لقربه منه، ولكن سجايا له ظاهرت هذه العاطفة في قلوبهم ومكنت لها وخصالا رفعته في أعينهم كما رفعت ابن عمه الكريم ولما يهبط عليه وحي السماء، وإن الكثيرين منهم ليذكرون عليا عليه السلام من مهده فلا يستطيعون إلا إكباره في كل مراحل حياته ويحصون المحامد في الناس مجتمعين، ولا يسعهم إلا جمعها له منفردا، ثم تبقى له بعد هذا صفة واحدة جديرة بأن توليهم عطفهم الخالص هي أنه مظلوم بأنداده، محروم من تراثه الذي كان له أهلا منذ أكثر من عشرة أعوام، وكفى بهذا الحرمان صفة تؤلف حوله قلوب أولئك الذين ذاقوا في حياتهم الحرمان ".