سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٩٦
وطهارته كل من لها تعلق ما بها فالله سبحانه يشهد بذلك إذ يقول * (إنه من عبادنا المخلصين) * والشاهد الذي شهد له من أهلها إذ قال * (إن كان قميصه قد من قبل....
الخ) * إلى آخر الآيتين والعزيز إذ قال لامرأته * (إنه من كيدكن) * وامرأة العزيز إذ قالت * (الآن حصحص الحق إنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) * والنسوة إذ قلن * (حاشا لله ما علمنا عليه من سوء) * ويوسف ينفي ذلك عن نفسه وقد سماه الله صديقا إذ قال * (إني لم أخنه بالغيب) * (1) فكل هذه الشهادات التي لا تقبل الشك والريب تشهد بأن يوسف برئ من الواقعة كما برئ الذئب من الدم الذي على قميصه ولكن للأسف بعض من لا علم له بحقيقة الأنبياء وخصوصا الذين أخذوا دينهم من غير أهل البيت (عليهم السلام) اتهموا يوسف بما اتهموه من الافتراءات والكذب عليه.
ونعود ثانيا إلى يوسف وتلك المرأة التي شحنت الجو بإثارة الغريزة نعود إلى تلك المواقف لنستلهم الدرس منها في حياتنا العملية يوما، فبعد أن أكملت المرأة دعوتها إلى الفاحشة امتنع يوسف عن ذلك العرض وأنى له هذا وقد رأى برهان ربه رآه بحقيقة القلب وبحضور الله تعالى معه وفي كل مواقفه، فلا ينظر إلى شئ إلا ونظر إلى الله قبله، فهذه هي حقيقة الأنبياء (عليهم السلام)، فهذا الامتحان الإلهي الذي مر به يوسف (عليه السلام) امتحان عسير لأن الأجواء كانت كلها مهيئة للفاحشة وخصوصا أن هذه المرأة كانت قريبة منه ليلا ونهارا وهو في بيتها، فنجح يوسف في هذا الامتحان واجتاز المرحلة فأراد أن يهرب فأسرعت هذه المرأة خلفه لتمنعه من ذلك لما في قلبها من شوق إليه، فها هي تريد أن تجذبه لرغبتها وهو يريد أن يتوجه إلى الله تعالى وصار السباق بين الطرفين بين امرأة العزيز التي لم تفكر إلا برغبتها وبين يوسف الذي يعيش مع الله في كل لحظات حياته، وأخيرا مدت يدها نحو قميصه لترجعه عن الله تعالى وتأخذه إلى هوى الشيطان فمزقت ذلك القميص الذي بقي عليها حجة طول الدهر إلى يوم القيامة، وعجيب أمر هذا القميص مع يوسف، فأخوته لطخوه بالدماء ليخفوا أمره وامرأة العزيز تمزقه لتحرف يوسف عن طريق الحق والعدل، فبقي هذا القميص يبرئ يوسف دائما وحجة على أعدائه، حجة على إخوته وعلى امرأة العزيز التي قدته من دبر ليشهد ليوسف بأنه برئ مما تريد وترغب، فلنعد إلى

(1) الميزان 11 / 136.
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»