فأعدت ذلك الحفل الكبير ودعت فيه نساء الأشراف على ما هن عليه من العلو والرفعة في المجتمع فأجلستهن في قاعة معدة لذلك ومجهزة بوسائل الضيافة * (وأعدت لهن متكئا) * (1) وجئ بالفواكه وأعطت لكل واحدة سكينا وبينما هن في ذلك الحفل البهيج حتى توجه الأمر إلى يوسف من تلك المرأة * (أخرج عليهن) * فجاء نور الله الذي أطفى كل أنوار القاعدة المعدة وأشرقت الشمس في وسط الغرفة وأطل يوسف (عليه السلام) الذي أحرق قلب امرأة العزيز عند ذلك نظرت النسوة إلى وجهه الكريم وهو يتلألأ نورا كأنه القمر في ليلة تمامه فتعلقت به القلوب وانجذبت إليه العيون فأخذ الدم يسيل من أيديهن وهن لا يشعرن بذلك * (وقلن حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم) * فتلك شهادة أخرى على تبرئته، عندها تكلمت المتهمة بالقضية * (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راوده عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما أمرة ليسجنن وليكونن من الصاغرين) * (2).
فاشتدت المصيبة على يوسف وأصرت المرأة على إشباع رغبتها منه واختنقت الأجواء فلا منقذ ليوسف إلا الله تعالى الذي كان يتوجه إليه في الجب عندها * (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصبو إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن وإنه هو السميع العليم ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) * (3) وأخيرا في السجن ولننظر ماذا في السجن؟.
الدرس السادس يوسف والسجن يا لها من رحلة شاقة، محنة تكمل محنة، وبلاء يوصل بلاء، حتى وقع في السجن لتبدأ مرحلة أخرى من مراحل حياته في مراحل الإعداد والتكوين لقيادة الناس نحو الله تعالى، فهذا السجن الذي دعوت ربك أن يرزقك إياه، ليجنبك متاهات الضلال، فهو درس اختيار الطاعة رغم الصعوبات، وتفضيل السئ على الأسوء،