سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٨٥
خرج إليهم ليواجههم بأسلوب الأنبياء (عليهما السلام) ومنطق الرسالات الملئ بالبراهين والأدلة ليردعهم برهانيا وإن لم يرتدعوا عمليا، فأخذ يخاطبهم ويبين لهم الطريق المستقيم لإشباع هذه الرغبة الجنسية وعرض لهم بناته ليتزوجوهن أفضل إليهم من هذا العمل المنكر ونستل من هذا العرض درسا آخر من الأنبياء ألا وهو التضحية في سبيل إثبات الحق ودفع الباطل فهذا لوط يعرض بناته وإن وقع الاختلاف في أن المراد من بناته ما هو - ولكن الذي يساعد ظواهر الآيات أن بناته من صلبه وذلك الرأي الآخر تحكم لا دليل عليه (1) فهذه هي التضحية في سبيل الرسالة فهو درس للقادة لقادة الإصلاح والتغير على أن يقدموا كل ما يملكون في سبيل رفعة الحق وإزهاق الباطل.
ونعود ثانيا إلى لوط في محاورته مع قومه عندما طلبوا منه ضيوفه ما طلبوا فقال لهم عودوا إلى فطرتكم السليمة ولا تخزوني وتنكسوا رأسي أمام ضيفي، ما لكم أليس فيكم من يحكم عقله على شهواته ويهديكم، فأجابوه بمنطق الانحراف والرذيلة منطق الدناءة والخسة منطق الشهوة والانحراف.
* (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وأنك لتعلم ما نريد) * (2) نريد الانحراف ولا نرغب في الاستقامة ولن نترك ضيوفك مهما كلف الأمر فلم يجد بدا من ذلك فقال لهم وقلبه ملئ بالحسرات * (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) * (3) وهذا درس آخر يخطه لنا لوط (عليه السلام) درس تحتاجه الرسالة في تطبيقها ألا وهو القوة فلا بد للعاملين في سبيل الله من قوة تدفع عنهم شر الأعداء ويركنوا إليها في الشدائد ، قوة لا يستهان بها ويحسب لها حساب، يا لها من دروس كاملة لا تحتاج إلا إلى وعيها وهضمها، إنها دروس الرسالة فلا بد لنا من الوقوف عندها والتزود منها فهذا عالمنا المعاصر يشهد للوط بهذه العبارة فهو يحترم القوي ويسحق الضعيف وخير شاهد على ذلك إيران التي تقف أمام الاستكبار العالمي بمنهاج إلهي وأسلوب محمدي وشعار علوي فالقوة هي التي تنجز الأعمال على الواقع فطأطأ لها الأعداء رؤسهم وانحنى أمامها بكل إجلال وتقدير.

(١) الميزان: ١٠ / ٣٢٧ بتصرف.
(٢) هود: ٧٩.
(٣) هود: ٨٠.
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»