سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٩٠
لم يكن حب يعقوب ومداراته ليوسف (عليه السلام) نابعة من عاطفة فقط بل كانت إعدادا لرجل يحمل ميراث النبوة ميراث إسحاق ويعقوب، فهو حب إلهي ليوسف لحمله لتلك المواصفات والمزايا التي جعلت أخوته يحسدونه على ما هو عليه فوسوس لهم الشيطان وسولت لهم أنفسهم أمرا يكشف عن مدى حقدهم وحسدهم ليوسف (عليه السلام).
* (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) * * (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين) * (1) فأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وجاءوا إلى إبراهيم الذي تفرس في أعينهم الشر والمكيدة، جاءوا بعنوان العطف والحنان على يوسف وهم يعلمون أن أباهم لا يأمن عليه بين أيديهم والشاهد على ذلك أنهم قالوا له * (ما لك لا تأمنا) * فهي خير دليل على أنهم كانوا يعلمون أن يعقوب (عليه السلام) لا يأمن على يوسف بينهم ويصور لنا القرآن ذلك بقوله:
* (قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون) * (2) فقدموا المواثيق لحفظه والعهود على سلامته والعناية به إلى أباهم الذي يشرف على إعداد يوسف للنبوة واستلام المنصب الإلهي كوريث لآبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولما صمتوا انتظارا لجواب أبيهم ابتدأ يعقوب بالجواب وافتتحه بالخوف على يوسف فقال:
* (قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) * (3) فكان الذئب هو الوسيلة الوحيدة التي يحتج بها يعقوب على أبناءه ومنعهم من أخذ يوسف معهم إلى حيث يقصدون ولكنهم لم يتراجعوا عما أجمعوا عليه وأصروا على ذلك بشتى الطرق والوسائل * (قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون) * (4) فردوا على يعقوب مخافته من الذئب، فلم يجد بدا من أن يرسله معهم ليرتع ويلعب وسار معهم وبحمايتهم كما زعموا وما أن ابتعدوا عن أباهم حتى

(١) يوسف: ٩ - ١٠.
(٢) يوسف: - ١١ - ١٢.
(٣) يوسف: ١٣.
(٤) يوسف: ١٤.
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»