سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٨٦
ومرة أخرى نرجع إلى لوط بعد أن عجز عن كل الوسائل للإصلاح والتغيير واستعد قومه للهجوم على ضيوفه عند ذلك ولوط في حيرة شديدة، كشف الضيوف عن هوياتهم وعن الذي ينتمون إليه.
* (وقالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحدا إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم) * (1) وجاء في الروايات أن لوط عندما سمع بذلك قال للملائكة لماذا لا تعجلوا فيهم فإنهم لا يستحقون الحياة فقالوا له:
* (أن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) * وهذا يكشف عن الآلام التي يحملها لوط من هؤلاء الذي يريد أن يعجل لهم العقوبة وهو نبي من الأنبياء فقالوا للوط لا تحزن إن العذاب لا مفر منه لهؤلاء ففي الكافي بإسناده عن أبي يزيد عن أبي عبد الله في حديثه يذكر فيه صفة قوم لوط قال: - فكابروه يعني لوط حتى دخلوا البيت فصاح به جبرائيل فقال يا لوط دعهم فلما دخلوا أهوى بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم وهو قول الله عز وجل * (فطمسنا على أعينهم) * (2) وسار لوط مع من آمن معه من أهله في ذلك الليل المظلم من دون أن يلتفتوا ليروا ما أصاب القوم من عذاب عظيم.
* (لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم) * (3) فهذا المقطع من القصة يبين لنا أن القوم لم يؤمنوا قط سوى لوط وأهله إلا امرأته فيا لها من شهوة جرتهم إلى الويلات والكوارث ولم تترك لأحد فيهم عقل يفكر فيه، فنخرج اللذين آمنوا وحل العذاب وجاءت الرسل لتحمل للقوم نتائج أعمالهم حجارة أعدت لهؤلاء الذي مات الضمير فيهم وأصبحت الشهوة الجنسية سنة مألوفة لديهم كالأكل والشرب " وحينما يموت الضمير وتغتال الفطرة وينقض المجتمع على عقله ويئد أحاسيسه الإنسانية يولد مجتمع الجريمة وإذا كانت هذه

(١) هود: ٨١.
(٢) الكافي عن الميزان ج ١٩، ص ٨٥.
(٣) الذاريات: ٣٣ - 37.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»