خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ٢٧٢
أي أن من يسمعه أو يقرأه يحكم بأنه ليس من كلام البشر، وبذلك يكون دليلا على أن تاليه عليهم - وهو بشر مثلهم - نبي من عند الله مرسل.
فمن هذا الوجه طولب العرب بالاقرار والتسليم، ومن هذا الوجه تحيرت العرب فيما تسمع من كلام يتلوه عليهم رجل منهم تجده من جنس كلامها لأنه نزل بلسانهم لسان عربي مبين - ثم تجده مباينا لكلامها.
فهم يتبينون في نظمه وبيانه انفكاكه من نظم البشر وبيانهم من وجه يحسم القضاء بأنه كلام رب العالمين.
ويستخلص من هذا أمور:
الأول: ان قليل القرآن وكثيره في شأن الاعجاز سواء.
الثاني: ان الاعجاز كائن في رصف القرآن وبيانه ونظمه، ومباينة خصائصه للمعهود من خصائص كل نظم وبيان في لغة العرب، ثم في سائر لغات البشر، ثم في بيان الثقلين جميعا: إنسهم وجنهم متظاهرين.
الثالث: ان الذين تحداهم بهذا القرآن قد أوتوا القدرة على الفصل بين الذي هو من كلام البشر والذي هو ليس من كلامهم.
الرابع: ان الذين تحداهم به كانوا يدركون أن ما طولبوا به من الاتيان بمثله، أو بعشر سور مثله مفتريات، هو هذا الضرب من البيان الذي يجدون في أنفسهم أنه - خارج من جنس بيان البشر.
الخامس: ان هذا التحدي لم يقصد به الاتيان بمثله مطابقا لمعانيه، بل أن يأتوا بما يستطيعون افتراءه واختلاقه، من كل معنى أو غرض، مما يعتلج في نفوس البشر.
السادس: ان هذا التحدي للثقلين جميعا انسهم وجنهم متظاهرين، تحد ومستمر قائم إلى يوم الدين.
السابع: ان ما في القرآن من مكنون الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب آيات الله في خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الاعجاز، وان كل ما
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»