خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ٢٧٦
فهذا هو المقياس العام الذي نراه ينطبق على معنى الاعجاز في كل الظروف المحتملة بالنسبة إلى الأديان المنزلة.
فإذا قسنا به في نطاق رسالة موسى (ع) - مثلا - نرى أن الله اختار لهذا الرسول معجزتي اليد والعصا.
وإذا تأملناهما وجدناهما ك (حجة) يدعم الله بها نبيه يتصفان بأنهما:
1 - ليستا من مستوى العلم الفرعوني الذي كان من اختصاص اشخاص معدودين يكونون هيئة الكهنوت، بل كانت المعجزة في كلتا صورتيها من مستوى السحر الذي يقع أثره في ادراك الجميع عن طريق المعاينة الحسية دون اجهاد فكر.
2 - هاتان المعجزتان تتصلان بتاريخ الدين الموسوي لا بجوهره، إذ ليس لليد أو العصا صلة بمعاني هذا الدين ولا بتشريعه، فهما على هذا مجرد توابع للدين، لا من صفاته الملازمة له.
3 - ودلالة هاتين المعجزتين على صحة الدين محدودة بزمن معين إذ لا نتصور مفعول اليد والعصا كحجة الا في الجيل الذي شاهدهما أو الجيل الذي بلغته تلك الشهادة بالتواتر من التابعين وتابعي التابعين، أي أن مفعوله لا يكون الا في زمن محدد لحكمة أرادها الله.
ولو فكرنا في هذه الحكمة لوجدناها انها تتفق مع حقائق نفسية وحقائق تاريخية سجلها الواقع فعلا، هي:
أولا: ان القوم الذين يدينون اليوم بدين موسى - أي اليهود يفقدون - لأسباب نفسية لا سبيل لشرحها هنا - نزعة التبليغ بحيث لا يشعرون بضرورة تبليغ دينهم إلى غيرهم من الأمم - أي الأميين كما يقولون - حتى اننا إذا استخدمنا لغة الاجتماع قلنا: ان الاعجاز قد ألغاه في هذا الدين عدم الحاجة اليه.
ثانيا: ان مشيئة الله قد قدرت أن يأتي عيسى رسولا من بعد موسى، واتي الدين الجديد لينسخ الدين السابق، فينسخ طبعا جانب الاعجاز فيه حيث تزول الحجة بزوال
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»