خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ٢٧٤
الظاهرة القرآنية) -: (كان حين انزل الله القرآن على نبيه (ص) نورا يضئ ظلمات الجاهلية، ويعكف أهله على بيانه عكوف الوثني للصنم، ويسجدون لآياته سجدة خاشعة لم يسجدوا مثلها لأوثانهم قط، فقد كانوا عبدة البيان قبل ان يكونوا عبدة الأوثان، وقد سمعنا من استخف منهم بأوثانهم، ولم نسمع قط منهم من استخف ببيانهم).
هذه صورة الظروف النفسية التي نزل فيها القرآن فكان لاعجازه أن ينفذ إلى الأرواح - بصفة عامة في زمن النزول - على هذه السبيل، أي بما ركب في الفطرة العربية من ذوق وبيان.
ثم تغيرت هذه الظروف مع تطورات التاريخ الاسلامي، وفاض طوفان العلوم في أواخر عهد بني أمية والعهد العباسي، فصار ادراك جانب الاعجاز في القرآن بالمعنى الذي حددناه - لغة واصطلاحا - من طريق التذوق العلمي، أكثر من أن يكون من طريق الذوق الفطري (1).
وهنا تواجهنا مشكلة الاعجاز في صورتها الجديدة بالنسبة لهذا المسلم - أعني بالنسبة لأغلبية المثقفين ثقافة أجنبية، بل وربما بالنسبة لذوي الثقافة التقليدية في ظروفهم الثقافية والنفسية الخاصة، فلا بد إذن من إعادة النظر في القضية في نطاق الظروف الجديدة التي يمر بها المسلم اليوم، مع الضرورات التي يواجهها في مجال العقيدة والروح.
وعلى رغم ما يبدو في القضية من تعقد، بسبب موقفنا التقليدي إزاءها فاني أعتقد أن مفتاحها موجود في قوله تعالى:
(قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا ما يوحى إلي)، فإذا اعتبرنا هذه الآية على أنها حجة يقدمها القرآن للنبي كي يستخدمها في جداله المشركين فلا بد أن نتأمل محتواها المنطقي من ناحيتين:
فهي تحمل أولا إشارة خفية إلى أن تكرار الشئ في ظروف معينة يدل على صحته، أي أن سوابقه في سلسلة معينة تدعم حقيقته ك (ظاهرة) بالمعنى الذي يسبغه

(1) الظاهرة القرآنية 62 - 64.
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»