خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ٢٧٧
ضرورتها التاريخية.
ثم اتى عيسى بالدين الجديد وبما يتطلب هذا الدين من وسائل لتبليغه، أي بما يتطلب من حجة فاتى باعجازه الخاص بالمعنى المحدد لغة واصطلاحا كما سبق، فكان لعيسى إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله.
ولسنا بحاجة ان نكرر بالنسبة إلى الدين الجديد ما قدمنا من اعتبارات عامة بالنسبة إلى خصائص الاعجاز في الدين السابق حيث إن القضية تتعلق هنا وهناك بالتركيب النفسي الذي عليه الانسان من حيث هو انسان يدرك الأشياء بعقله مع ما في عقله من عجز عن ادراك حقيقة الدين مباشرة ان لم يكن هناك حجة خاصة تسند تلك الحقيقة لدى عقله في صورة اعجاز.
فالأسباب تتكرر وانما يتغير شكلها نظرا لما حدث من تطور في الظروف النفسية والاجتماعية حول الدين الجديد في البيئة التي ينشر فيها عيسى دعوته، تلك البيئة التي تشع عليها الثقافة اليونانية والرومانية.
ولكن دلالة ما أوتي عيسى من إعجاز ستزول أيضا مع زوال موضوعها ولنفس الأسباب التي ألغت جانب الاعجاز في دين موسى حيث يأتي بعد عيسى رسول جديد ودين جديد يلغيان الدين السابق دين عيسى (ع) فيلغي ضرورة التدليل على صحة الإنجيل.
وهكذا تأتي رسالة الرسول الأمين، ولكنها تتسم بصفة خاصة عما سبقها من الرسالات إذ أنها الحلقة الأخيرة في سلسلة البعث.
ويأتي محمد (خاتم الأنبياء) كما ينوه بذلك القرآن، ويشهد به مرور الزمن منذ أربعة عشر قرنا.
وما كانت هذه الميزة التاريخية في الدين الجديد، دون أن يكون أثرها في كل خصائصه وفي نوع إعجازه على وجه الخصوص حيث إن حاجة التبليغ ستبقى مستمرة فيه، سواء من الناحية النفسية لأن كل مسلم - بعكس اليهودي - يحمل في نفسه (مركب التبليغ)، أم من الناحية التاريخية، لأن الدين الجديد - الاسلام - سيكون دين آخر
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»