خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ٢٧٣
فيه من ذلك كله يعد دليلا على أنه من عند الله تعالى، ولكنه لا يدل على أن نظمه وبيانه مباين لنظم كلام البشر وبيانهم، وانه بهذه المباينة كلام رب العالمين لا كلام البشر مثلهم (1).
ولأن القرآن الكريم المعجزة الخالدة بخلود رسالة محمد (ص)، والمستمرة مع استمرارها، كما هو واضح من الآية الأولى المذكورة في أعلاه، قد يطرح السؤال التالي:
بم يتمثل اعجاز القرآن الكريم الآن، وقد ذهب العرب الفصحاء الذين استقبلوه أيام تنزيله وادركوا بذوقهم الفطري انه كلام الله تعالى لسموه في مستوى بيانه ونظمه فوق مستوى كلامهم؟
وممن أثار هذا التساؤل مالك بن نبي، قال في كتابه (الظاهرة القرآنية): ان لكل شعب هواية يصرف إليها مواهبه الخلاقة طبقا لعبقريته ومزاجه.
فالفراعنة مثلا - كان لهم اهتمام بفنون العمارة والرياضيات، يدلنا عليه ما بقي بين أيدينا من آثارهم العظيمة، تلك الآثار التي أثارت اهتمام رجال العلم، مثل الأب (مورو) الذي خصص أحد كتبه لدراسة تصميم الهرم الأكبر، وما يتضمن من نظريات هندسية غريبة وخصائص رياضية وميكانيكية عجيبة.
كما كان اليونان مغرمين بصور الجمال على ما أبدعه فن (فيدياس)، وبآيات المنطق والحكمة على ما جادت به عبقرية (سقراط).
أما العرب في الجاهلية فقد كانت هوايتهم في لغتهم، فلم يقتصروا على استخدامها في ضرورات الحياة اليومية، شأن الشعوب الأخرى. وانما كان العربي يفتن في استخدام لغته، فينحت منها صورا بيانية لا تقل جمالا عما كان ينحته فيدياس في المرمر، وما كانت ترسمه ريشة (ليوناردو فانسي) في لوحاته المعلقة في متاحف العالم الكبرى.
فالشعر العربي - كما قال أخي الأستاذ محمود شاكر في مقدمة هذا الكتاب (يعني

(1) الظاهرة القرآنية: المقدمة للشيخ شاكر 24 - 25.
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»