و (أراني أرجو كذا) و (أراني أتمنى كذا) أي أجد ذاتي وأشاهدها بنفسها من غير أن احتجب عنها بحاجب، وأجد وأشاهد إرادتي الباطنة التي ليست بمحسوسة ولا فكرية، وأجد في باطن ذاتي كراهة وحبا وبغضا ورجاء وتمنيا، وهكذا.
وهذا غير قول القائل: (رأيتك تحب كذا وتبغض كذا) وغير ذلك.
فان معنى كلامه: (أبصرتك في هيئة استدللت بها على أن فيك حبا وبغضا)، ونحو ذلك.
وأما حكاية الانسان عن نفسه أنه يراه يريد ويكره ويحب ويبغض فإنه يريد به أنه يجد هذه الأمور بنفسها وواقعيتها، لا أنه يستدل عليها فيقضي بوجودها من طريق الاستدلال، بل يجدها من نفسه من غير حاجب يحجبها، ولا توسل بوسيلة تدل عليها البتة.
وتسمية هذا القسم من العلم الذي يجد فيه الانسان نفس المعلوم بواقعيته الخارجية رؤية مطردة، وهي علم الانسان بذاته وقواه الباطنة وأوصاف ذاته وأحواله الداخلية، وليس فيها مداخلة جهة أو مكان أو زمان أو حالة جسمانية أخرى غيرها.. فافهم ذلك وأجد التدبر فيه.
والله سبحانه فيما أثبت من الرؤية يذكر معها خصوصيات ويضم إليها ضمائم يدلنا ذلك على أن المراد بالرؤية هذا القسم من العلم الذي نسميه فيما عندنا أيضا رؤية كما في قوله: (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد ألا انهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط) الآية.
حيث أثبت أولا: أنه على كل شئ حاضرا أو مشهود لا يختص بجهة دون جهة، وبمكان دون مكان، وبشئ دون شئ، بل شهيد على كل شئ، محيط بكل شئ، فلو وجده شئ لوجده على ظاهر كل شئ وباطنه وعلى نفس وجدانه وعلى نفسه.