خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ٢٥٣
ويشاهده سبحانه منزها عن وصحة الحركة والزمان، والجهة والمكان، وألواث المادة الجسمية وأعراضها، فإنه قول أشبه بغير الجد منه بالجد، فما محصل القول: ان من الجائز في قدرة الله أن يقوي سببا ماديا أن يعلق عمله الطبيعي المادي - مع حفظ حقيقة السبب وهوية أثره - بأمر هو خارج عن المادة وآثارها متعال عن القدر والنهاية؟ فهذا الابصار الذي عندنا - وهو خاصة مادية - من المستحيل أن يتعلق بما لا أثر عنده من المادة الجسمية وخواصها، فإن كان موسى يسأل الرؤية فإنما سأل غير هذه الرؤية البصرية، وبالملازمة ما ينفيه الله سبحانه في جوابه فإنما ينفي غير هذه الرؤية البصرية، فأما هي فبديهية الانتفاء لم يتعلق بها سؤال وجواب.
وقد أطلق الله الرؤية وما يقرب منها معنى في موارد من كلامه وأثبتها: كقوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) - القيامة 23 -.
وقوله: (ما كذب الفؤاد ما رأى) - النجم 11 -.
وقوله: (من كان يرجو لقاء الله فان أجل الله لآت) - العنكبوت 5 -.
وقوله:
(أو لم يكف بربك انه على كل شئ شهيد ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط) - حم السجدة 54 -.
وقوله:
(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) - الكهف 110 -.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة المثبتة للرؤية وما في معناها قبال الآيات النافية لها كما في هذه الآية:
(قال لن تراني) وقوله: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الابصار) - الانعام 103 - وغير ذلك.
فهل المراد بالرؤية حصول العلم الضروري، سمي بها لمبالغة في الظهور ونحوها - كما قيل؟.
لا ريب أن الآيات تثبت علما ضروريا لكن الشأن في تشخيص حقيقة هذا العلم الضروري، فانا لا نسمي كل علم ضروري رؤية وما في معناها من اللقاء ونحوه، كما نعلم بوجود إبراهيم الخليل والإسكندر وكسرى فيما مضى ولم نرهم.
(٢٥٣)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»