خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ٢٥٦
وعلى هذه السمة لقاؤه - لو كان هناك لقاء - لا على نحو اللقاء الحسي الذي لا يتأتى البتة الا بمواجهة جسمانية وتعين جهة ومكان وزمان، وبهذا يشعر ما في قوله (ما كذب الفؤاد ما رأى) من نسبة الرؤية إلى الفؤاد الذي لا شبهة في كون المراد به هو النفس الانسانية الشاعرة دون اللحم الصنوبري المعلق على يسار الصدر داخلا.
ونظير ذلك قوله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) - المطففين 15 -.
دل على أن الذي يحجبهم عنه تعالى رين المعاصي والذنوب التي اكتسبوها فحال بين قلوبهم أي أنفسهم وبين ربهم فحجبهم عن تشريف المشاهدة.
ولو رأوه لرأوه بقلوبهم أي أنفسهم لا بأبصارهم واحداقهم.
وقد أثبت الله سبحانه في موارد من كلامه قسما آخر من الرؤية وراء رؤية الجارحة كقوله تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين) - التكاثر 7 -.
وقوله (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) - الانعام 75 -، وقد تقدم تفسير الآية في الجزء السابع من الكتاب (الميزان)، وبينا هناك ان الملكوت هو باطن الأشياء لا ظاهرها المحسوس.
فبهذه الوجوه يظهر أنه تعالى يثبت في كلامه قسما من الرؤية والمشاهدة وراء الرؤية البصرية الحسية.
وهي نوع شعور في الانسان، يشعر بالشئ نفسه من غير استعمال آلة حسية أو فكرية، وأن للانسان شعورا بربه غير ما يعتقد بوجوده من طريق الفكر واستخدام الدليل بل يجده وجدانا من غير أن يحجبه عنه حاجب، ولا يجره إلى الغفلة عنه الا اشتغاله بنفسه وبمعاصيه التي اكتسبها، وهي مع ذلك غفلة عن أمر موجود. ومشهود لا زوال علم بالكلية ومن أصله. فليس في كلامه تعالى ما يشعر بذلك البتة، بل عبر عن هذا الجهل بالغفلة وهي زوال العلم بالعلم لا زوال أصل العلم.
(٢٥٦)
مفاتيح البحث: الغفلة (1)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»