ومطابقة خبره مع المخبر عنه، لبناء العقلاء على حجية خبر الثقة، فإن طريقة العقلاء قائمة على الاعتماد بخبر الثقة والاتكال عليه، وعليه تدور رحى نظامهم.
ومنه يظهر أن الآيات الناهية عن العمل بالظن لا تشمل خبر الثقة حتى يتوهم أنها تكفي للردع عن الطريقة العقلائية، لان العمل بخبر الثقة في طريقة العقلاء ليس من العمل بما وراء العلم، بل هو من أفراد العلم، لعدم التفات العقلاء إلى مخالفة الخبر للواقع، لما قد جرت على ذلك طباعهم واستقرت عليه عادتهم، فهو خارج عن العمل بالظن موضوعا، فلا يصح أن تكون الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم رادعه عن العمل بخبر الثقة.
وأما آية النبأ الناهية عن العمل بخبر الفاسق فلا تشمل خبر الثقة للتعليل فيها بقوله تعالى: ﴿أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾ (1)، لان الجهالة بمعنى السفاهة والخروج عن طريقة العقلاء، والعمل بخبر الثقة مما جرى عليه بناء العقلاء، فلا تصدق عليه الجهالة، ولا يشمله التعليل في الآية. ومن الواضح أن الحكم في العموم والخصوص تابع لعموم العلة المنصوصة وخصوصها، فالمراد من خبر الفاسق في الآية الفاسق غير الموثوق به لا محالة، والتبين يحصل بما يعطي الوثوق بصدقه.
وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمرا متعارفا عندهم، وقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى.