الفعل (1) [المأمور به، وتزهيدا في الفعل نفسه. ولما كان الأمر ترغيبا في الفعل المأمور به] وتزهيدا في تركه، جاز أن يسمى نهيا. وقد يتداخل هذان الوصفان في الشاهد فيقول أحدنا: " قد أمرت فلانا بأن لا يلقى الأمير "، وإنما يريد أنه نهاه عن لقائه، ويقول: " نهيتك عن هجر زيد " وإنما معناه أمرتك بمواصلته.
فإن قيل: ألا جعلتم النهي منقسما إلى منهي قبيح (2) ومنهي غير قبيح، بل يكون تركه أفضل من فعله، كما جعلتم الأمر منقسما (3) إلى واجب وغير واجب؟
قلنا: الفرق بين الأمرين ظاهر، لأن انقسام المأمور به في الشاهد إلى واجب وغير واجب غير مدفوع، ولا خاف (4)، وليس يمكن أحد أن يدفع أن في الأفعال الحسنة التي يستحق بها المدح والثواب ما له صفة الوجوب، وفيها ما لا يكون كذلك. فإذا كان الواجب مشاركا للندب في تناول الإرادة له واستحقاق الثواب والمدح به، فليس يفارقه إلا بكراهية الترك، لأن الواجب تركه مكروه والنفل ليس كذلك. فلو جعلنا الكراهية تتعلق بالقبيح وغير القبيح من الحكيم تعالى، وكذلك النهي. كما جعلنا الأمر منه يتعلق بالواجب وغير الواجب، لارتفع الفصل (5) بين الواجب والندب مع ثبوت الفصل بينهما في العقول.